11 نوفمبر 2024
نصيحة إلى وزير خارجية البحرين
كأننا أمام نسخةٍ غير محسّنةٍ من نائب رئيس الشرطة في دبي (رئيسها هو الحاكم)، ضاحي خلفان، اسمُها وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، عندما يزاول هذا الرجل تغريدا تلو تغريد، في منصة تويتر، يجعلُه مسخرةً في وسائل التواصل الاجتماعي. يتكرّر الأمر مراتٍ، سيما وأن في ظنه أنه عندما يدسّ أنفه في غير قضيةٍ وقضيةٍ يؤكّد لحكومة بلاده وزنا، أو لوزارته شأنا. ولم تكن هواية الوزير المذكور هذه لتثير اكتراثا منا، نحن كتاب الصحافة والمعلقين فيها، لولا أنه زادها، وصار يتجاوز حدودا من شديد الوجوب أن تُرفع بشأنها قدّامه نقطةُ نظامٍ حمراء. ومن جديد فعاله من هذا اللون تطوّعه لتسويق قرار أستراليا اعترافها بالقدس عاصمةً لإسرائيل، في شذوذٍ بالغ الغرابة من مسؤولٍ عربيٍّ رفيع، يخرج فيه عن مواضعاتٍ راسخةٍ في العمل الدبلوماسي وتقاليده وبديهياته، ففيما استحقّ قرار أستراليا الإدانات التي استنكرته من غير دولةٍ عربيةٍ، ومن منظمة التحرير الفلسطينية، ومن جامعة الدول العربية، يغرّد المتحدّث عنه، خالد آل خليفة، كأنه الناطق باسم حكومة أستراليا، وليس وزير خارجية دولةٍ، لطالما وُصف أهلوها بأنهم "فلسطينيو الخليج"، للتهوين من فداحة ما أقدمت عليه هذه الحكومة، فيزعم إنها لا تمسّ المطالب الفلسطينية المشروعة، ثم ينبّهنا، نحن العرب الغافلين عن حقائق التاريخ والجغرافيا التي لا يعرفها إلا معاليه، إلى أن القدس الشرقية هي عاصمة فلسطين، فيما تعلق قرار أستراليا بالقدس الغربية.
النصيحة هنا للوزير آل خليفة أن يترك هذه الأمور الثقيلة على أفهامه ومداركه، فلا يورّط نفسه بالثرثرة فيها. تماما كما أن التعقيب على كلمة أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أول من أمس، أمر أكبر من إمكاناته، فتغريدته معقّبا على الكلمة تبعث على الإشفاق عليه، وهو يتوسّل لبلادِه علاقةً ما بالأزمة الخليجية، فيما يعرف هو، قبل غيره، أن المملكة التي يتولى شخصُه وزارة الخارجية فيها إنما تقرّر شأنَها في ملفٍ كهذا (وغيره) مملكةٌ أخرى. أما النصيحة الأهم، جريا على أن لكل مقام مقال، فهي أن يقرأ جيدا كتاب مواطنه الراحل، خالد البسّام، "كلنا فداك.. البحرين والقضية الفلسطينية.. 1917- 1948" (المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، 2005). عساه يعرف جسامة ما يقترفه الحكمُ في بلاده، وهو يرسل موفدين بحرينيين، مرةً بتسميتهم ناشطين مدنيين، وأخرى باعتبارهم رياضيين، عدا عن رسائل لا تتوقف إلى رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، واستقبال صهاينةٍ أميركيين في القصر الملكي في المنامة، ممن يعتنقون موالاة إسرائيل عقيدةً متوطّنة فيهم. والخشية أن يصير صحيحا ما ذاع أخيرا إن نتنياهو قد يهبط قريبا في مطار المنامة. لو يقرأ خالد آل خليفة هذا الكتاب، ليعرف أن شعب البحرين يقيم، في وجدانه العام، على انتسابِه إلى فلسطين وعروبتها، منذ وعد بلفور، وتبرّع كثيرا بالروبيات في ثلاثينيات القرن الماضي وما بعدها لفلسطين ومجاهديها.
معروفٌ للعامة قبل الخاصة أن واحدا من أهم بواعث كل هذا التودّد من الحكم في البحرين لإسرائيل هو سوء الصيت في التقارير المتوالية عن الأهوال الجسيمة في ملف انتهاكات حقوق الإنسان في البلد، وهي تقارير تبعث على الفزع، حيث سقوط عدة قتلى في السجون جرّاء التعذيب، وحيث اختناق المجال العام. ولا يُنسى هنا أن التقرير السنوي للخارجية الأميركية يحفل بمخازٍ ليست هينةً في هذا كله. وفي البال أن الوزير السابق، ريكس تيلرسون، تحدّث بنفسه شخصيا، قبل أزيد من عام، عن هذا الأمر، وأشار إلى استمرار سلطات البحرين في استجواب المعارضين وعلماء الدين، الشيعة على ما قال. ولنتذكّر أن الكونغرس الأميركي عطّل صفقة سلاحٍ قبل عامين إلى البحرين، بسبب أوضاع حقوق الإنسان المقلقة هناك.
لو يخيّط وزير الخارجية البحريني بمسلةٍ أخرى، فيغرّد كما يشاء في غير قصة القدس، شرقية وغربية. والنصيحة له أن يلتفت إلى بؤس صورة بلاده في العالم، وهي صورة يأسف لها كل محبّ للبحرين وشعبها الذي يستحقّ أن يمثله في العالم آخرون، من غير طينة هذا الرجل الذي يبدو أنه يتبارى مع ضاحي خلفان في الرداءات الرثّة إياها.
النصيحة هنا للوزير آل خليفة أن يترك هذه الأمور الثقيلة على أفهامه ومداركه، فلا يورّط نفسه بالثرثرة فيها. تماما كما أن التعقيب على كلمة أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أول من أمس، أمر أكبر من إمكاناته، فتغريدته معقّبا على الكلمة تبعث على الإشفاق عليه، وهو يتوسّل لبلادِه علاقةً ما بالأزمة الخليجية، فيما يعرف هو، قبل غيره، أن المملكة التي يتولى شخصُه وزارة الخارجية فيها إنما تقرّر شأنَها في ملفٍ كهذا (وغيره) مملكةٌ أخرى. أما النصيحة الأهم، جريا على أن لكل مقام مقال، فهي أن يقرأ جيدا كتاب مواطنه الراحل، خالد البسّام، "كلنا فداك.. البحرين والقضية الفلسطينية.. 1917- 1948" (المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، 2005). عساه يعرف جسامة ما يقترفه الحكمُ في بلاده، وهو يرسل موفدين بحرينيين، مرةً بتسميتهم ناشطين مدنيين، وأخرى باعتبارهم رياضيين، عدا عن رسائل لا تتوقف إلى رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، واستقبال صهاينةٍ أميركيين في القصر الملكي في المنامة، ممن يعتنقون موالاة إسرائيل عقيدةً متوطّنة فيهم. والخشية أن يصير صحيحا ما ذاع أخيرا إن نتنياهو قد يهبط قريبا في مطار المنامة. لو يقرأ خالد آل خليفة هذا الكتاب، ليعرف أن شعب البحرين يقيم، في وجدانه العام، على انتسابِه إلى فلسطين وعروبتها، منذ وعد بلفور، وتبرّع كثيرا بالروبيات في ثلاثينيات القرن الماضي وما بعدها لفلسطين ومجاهديها.
معروفٌ للعامة قبل الخاصة أن واحدا من أهم بواعث كل هذا التودّد من الحكم في البحرين لإسرائيل هو سوء الصيت في التقارير المتوالية عن الأهوال الجسيمة في ملف انتهاكات حقوق الإنسان في البلد، وهي تقارير تبعث على الفزع، حيث سقوط عدة قتلى في السجون جرّاء التعذيب، وحيث اختناق المجال العام. ولا يُنسى هنا أن التقرير السنوي للخارجية الأميركية يحفل بمخازٍ ليست هينةً في هذا كله. وفي البال أن الوزير السابق، ريكس تيلرسون، تحدّث بنفسه شخصيا، قبل أزيد من عام، عن هذا الأمر، وأشار إلى استمرار سلطات البحرين في استجواب المعارضين وعلماء الدين، الشيعة على ما قال. ولنتذكّر أن الكونغرس الأميركي عطّل صفقة سلاحٍ قبل عامين إلى البحرين، بسبب أوضاع حقوق الإنسان المقلقة هناك.
لو يخيّط وزير الخارجية البحريني بمسلةٍ أخرى، فيغرّد كما يشاء في غير قصة القدس، شرقية وغربية. والنصيحة له أن يلتفت إلى بؤس صورة بلاده في العالم، وهي صورة يأسف لها كل محبّ للبحرين وشعبها الذي يستحقّ أن يمثله في العالم آخرون، من غير طينة هذا الرجل الذي يبدو أنه يتبارى مع ضاحي خلفان في الرداءات الرثّة إياها.