نزهة الحرب

17 يوليو 2022

حسن نصر الله يلقي كلمة عبر الشاشة في مدينة النبطية (12/1/2020/فرانس برس)

+ الخط -

لا يملّ الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، من خطابات استعراض القوة، بسببٍ أو من دونه، بغض النظر عن حقيقة استخدام هذه القوة، ولا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الكارثية التي يعيش فيها لبنان، والتي يعمد حزب الله إلى التعامي عن أن له دوراً فيها، إضافة إلى أسبابٍ أخرى مرتبطة بالفساد المستشري في البلاد منذ 30 عاماً، والذي يلعب حلفاء الحزب دوراً بارزاً فيه.

أحدث الاستعراضات العسكرية للأمين العام لحزب الله كان خلال خطابٍ قبل أيام قليلة، تطرق فيه إلى قضية استخراج الغاز من البحر المتوسط، والحقل المتنازع عليه بين لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي. نصر الله لوّح بفتح حرب مع إسرائيل في حال استمرّت ما اعتبرها "حالة التجويع" التي يعيشها الشعب اللبناني، قائلاً "إذا كان الخيار أن لا يُساعَد لبنان ويُدفع باتجاه الجوع، فالحرب أشرف بكثير". وتجاهل الأمين العالم لحزب الله وجود دولةٍ في لبنان، حتى لو بشكل صوري، مشيراً إلى أن الحزب من الممكن أن يذهب إلى الحرب "من دون وجود إجماع وطني".

تصرّف حزب الله وأمينه العام ليس غريباً لجهة تجاهل وجود الدولة، فخلال السنوات القليلة الماضية تحوّل حزب الله إلى دولة فوق الدولة في كثير من المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وطبعاً العسكرية. لكن حتى في ظل الشعور بفائض القوة هذه الذي يعتري حزب الله، لا يمكن الحديث عن الحرب باعتبارها "نزهة" أو أنها "أشرف"، وخصوصاً في الوضع الحالي الذي يعيشه لبنان، لجهة غياب المياه والكهرباء وانهيار العملة الوطنية أمام الدولار وانقطاع كثير من المواد الضرورية للحياة، في مقدمتها الخبز وأنواع كثيرة من الأودية. عملياً، يعيش لبنان تداعيات حرب حقيقية من دون وجود هذه الحرب فعلياً على الأرض، فكيف من الممكن أن تكون هذه التداعيات في حال اندلاع الحرب التي يلوّح بها نصر الله؟ الفارق الأساس الذي يمكن أن يختلف عما هو عليه الوضع اليوم في لبنان هو "الموت والدمار والنزوح". هذه العناوين الثلاثة لا تزال ناقصة في مشهد الانهيار اللبناني، وها هو نصر الله يعد اللبنانيين باستجلابها لاستكمال المشهد.

لكن بغضّ النظر عن هذه الدعوة، هل فعلاً حزب الله جاهز للحرب كما يقول أمينه العام؟ بحسابات التداعيات المفترضة لمثل هذه الحرب في حال اندلاعها، فإن الإجابة هي بالنفي، لأكثر من سبب. بداية فإن أرضية الوضع اللبناني عموماً، والبيئة الحاضنة لحزب الله، غير مستعدّة لتحمل تكاليف الحرب، وهو أمر يدركه حزب الله جيداً، وخصوصاً أن أصواتاً بدأت تتصاعد من هذه البيئة تنتقد سلوك حزب الله والمخاطرة بزج لبنان في حربٍ لن تُحمد عقباها. وحزب الله يدرك أيضاً أن لا بيئة حاضنة للنازحين الذين من الممكن أن تنتجهم هذه الحرب. فالأوضاع لم تعد كما كانت في عام 2006، حين فتحت البيوت في عموم المدن اللبنانية والكثير من المدن السورية للنازحين من الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت. فالنقمة كبيرة على الحزب في المناطق التي من الممكن أن تعد "آمنة" في لبنان في حال اندلاع الحرب، هذا إضافة إلى عدم القدرة المادية لأحد على تكفل استضافة أي فرد إضافي. كذلك الأمر بالنسبة إلى سورية، فرغم الوضع الآمن نسبياً لدمشق ومحيطها، إلا أن الحالة الاقتصادية في سورية لا تقل سوءاً عن لبنان، وبالتالي فإن لاجئي لبنان لن يكون مرحّباً بهم.

وحتى لو تم تجاهل هذا المعطى المهم، لا يمكن التغاضي عن فكرة تمويل مثل هذه الحرب، مادياً ولوجستياً. فالتعويل على إيران لم يعد ممكناً بالطريقة التي كان قائماً فيها في عام 2006، لسببين أساسيين؛ أولهما الضائقة الاقتصادية التي تعيشها طهران، والتي ترجمت باحتجاجات داخلية ضد التدخلات الخارجية الإيرانية، وثانيهما تعطّل شريان الإمدادات العسكرية الذي كان في حرب تموز، خصوصاً بعد الثورة في سورية والوجود الروسي في الأراضي السورية، التي كانت سابقاً طريق هذه الإمدادات، وهو ما لن تسمح به موسكو، التي لا شك في أنها تنسّق بشكل مباشر مع إسرائيل في الغارات التي تستهدف الإمدادات الإيرانية في مطار دمشق الدولي.

وإذا أضفنا إلى ذلك ما يتوقع من انكفاء كل الدول المانحة عن تقديم مساعدات لإعادة الإعمار بعد هذه الحرب المفترضة، فإن هذه الحرب وتداعياتها لن تكون نزهة، كما يصورها نصر الله.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".