نتنياهو واختراع المخاطر

26 مارس 2023
+ الخط -

اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أسوأ توقيت للمضي في قانونه المثير للجدل المسمّى "قانون الإصلاحات القضائية"، والذي يسعى عملياً إلى تقويض الجهاز القضائي الذي كان نتنياهو نفسه يحاكَم أمامه بتهم الفساد. مسعى نتنياهو جوبه بتظاهرات إسرائيلية غير مسبوقة ضد الحكومة، دفعت مسؤولين إسرائيليين كثيرين إلى التحذير من "حرب أهلية" إسرائيلية، خصوصاً مع انضمام عسكريين وقضاة متقاعدين إلى الاحتجاجات، إضافة إلى مسؤولين في الحكومة نفسها، مع تهديد وزير الأمن يؤاف غالانت بالاستقالة في حال مضي نتنياهو في مخطّطاته، وهو ما قد يعني انهيار الائتلاف الحكومي الهشّ.

التوقيت السيئ بالنسبة إلى نتنياهو يأتي لاعتبارات متعدّدة، أهمها أن ما يسعى إلى القيام به غير مرتبط بما يمكن تسميته "أمن إسرائيل"، وهو المعيار الأساس في كل القرارات المصيرية التي تتّخذها الحكومات الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك، يأتي المشروع في وقت تعيش فيه دولة الاحتلال حالة استثنائية من الاستقرار الأمني المرتبط بتهديدات المحيط، والتي كانت تستغلّها الحكومات الإسرائيلية في تبرير إجراءاتها الداخلية. ويعود هذا الاستقرار، بالدرجة الأولى، إلى ما يمكن تسميته "جنون التطبيع" الذي تقوم به دول عربية عديدة تجاه دولة الاحتلال، تطبيع بات يزحف ليغطي غالبية المساحة العربية مع انضمام دول كبيرة، بشكل غير علني، إلى "اتفاقيات أبراهام" التي رعاها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي شملت ثلاث دول عربية قبل أن تبدأ بالتوسّع، ما أفرغ فكرة أن إسرائيل تعيش في "محيط عدواني" من مضمونها. وحتى بالكلام عن سورية ولبنان، وتحديداً وجود حزب الله، فإن تغييراتٍ كثيرة اعترت الأوضاع في البلدين تجعل التهديد الذي كانا يمثلانه نسبياً غير حقيقي.

أمام هذه الوقائع، بات واضحاً أن نتنياهو يسعى إلى اختراع مخاطر، أو على الأقل تضخيمها، لشد عصب الجبهة الداخلية، والإيحاء بأن إسرائيل لا تزال تعاني من خطر وجودٍ يمثله المحيط. عملية مجدّو أخيرا مثال على تضخيم وتوظيف نتنياهو حوادث كهذه. فمن الجلي أن هذه العملية كانت حادثاً فردياً غير مرتبط بعملية عسكرية لحزب الله، غير المعني أساساً في التصعيد مع إسرائيل لاعتبارات عديدة. علامات استفهام كبيرة كثيرة تحيط بالعملية، وكيفية تمكّن شخص مزود بحزام ناسف من عبور الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة والوصول إلى مجدّو، وهل هي فشلٌ أمني أم تواطؤٌ ضمني. رغم ذلك، عمد نتنياهو ومسؤولوه العسكريون إلى تجاهل هذا الفشل، ومحاولة الإشارة إلى أن العملية مقدّمة لما يسعى حزب الله إلى القيام به. في المقابل، لم ينف الحزب مسؤوليته عن العملية، ولم يتبنَّها في الوقت نفسه، وحاول أمينه العام، حسن نصرالله، أيضاً توظيفها لمصلحته وشدّ عصب أنصاره، للإيحاء بأن الحزب لا يزال يمارس "عمله المقاوم" في ظل الأوضاع الاقتصادية الكارثية التي يعيشها لبنان. لكن نتنياهو ونصرالله يعلمان أن ما بعد اتفاقية التنقيب عن الغاز قبالة الشواطئ اللبنانية ليس كما قبله، وأن أي عمل أمني كبير على الحدود سيعطّل الاتفاقية وعمليات التنقيب التي يعوّل عليها لبنان بالدرجة الأولى، وبالتالي، لا مصلحة إطلاقاً لحزب الله في أي تصعيد حدود، على الأقل لعشر سنوات مقبلة.

أيضاً في ما يتعلق بالوضع في الضفة الغربية، والعمليات التي تقوم بها مجموعات من الفصائل ضد إسرائيل، فهي لا تشكّل تهديداً حقيقياً لإسرائيل بقدر ما هي تهديد أكبر للسلطة الفلسطينية نفسها، إلا أن الحكومة الإسرائيلية تعمد أيضاً إلى توظيف الوضع وتسويقه داخلياً.

غير أن كل هذا التوظيف والتسويق والتضخيم لا يبدو أنه سيعفي نتنياهو من مواجهة الغضب الداخلي المتصاعد، والذي قد ينفجر في وجهه، ويشكّل فعلياً خطراً وجودياً على إسرائيل، في حال عدم التراجع عن مشروع قانونه.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".