"موضوع عائلي" ... دراما العائلة

13 فبراير 2023
+ الخط -

يتحفّظ بعض النقاد على مصطلح "السينما النظيفة"، ويعتبرونه تصنيفاً رجعياً طارئاً، ينطوي على مصادرةٍ لحرية التعبير وتشويهاً للصدق الفني وتقييداً لشروط الفعل الإبداعي، رافضين الرقابة المسبقة على الفعل الإبداعي. والمقصود بهذا المصطلح اشتراط خلو العمل من الإيحاءات الجنسية والمشاهد الحميمة والتعرّي والألفاظ النابية، بحيث يناسب العمل جميع أفراد الأسرة، بل ويرفض هؤلاء التصنيف الأميركي المعتمد عالمياً، والذي يصنّف الأفلام الصالحة للمشاهدة بحسب العمر، فما يشاهده المتفرّج الذي بلغ الثامنة عشرة لا يصلح لمن هم دون ذلك. وما زالت الأفلام الهندية، رغم مبالغاتها الدرامية غير المقنعة، تلاقي رواجاً كبيراً لدى الجمهور العربي، كونها تنتمي لما يمكن تسميتها السينما اللائقة الصالحة للمشاهدة من جميع أفراد الأسرة.
لا يختلف الأمر بالنسبة للدراما التلفزيونية، وهي الأشدّ حساسية، كونها تعرض في البيوت، سيما في موسم رمضان الذي يشهد غزارة في الإنتاج، حيث تتعرّض مسلسلات كثيرة لهجوم كبير، بسبب ما يعتبره الجمهور تجاوزاً وخروجاً على الأخلاق والعادات والأعراف والتقاليد الاجتماعية، وتهديداً لقيم المجتمع المحافظ. من هنا، جاء الاحتفال والإشادة الكبيرة بمسلسل "موضوع عائلي" بجزأيه، والذي عُرض أخيراً على منصّة "شاهد"، وحظي بأعلى نسب مشاهدة، كونه، إضافة إلى توفر جميع عناصر نجاحه، من حيث النص والأداء الدرامي والإخراج، فقد حقّق إمكانية متابعته من كلّ أفراد الأسرة مجتمعين، من دون حرج أو تحفّظ.
مسلسل كوميدي اجتماعي من إخراج أحمد الجندي وتأليفه، من بطولة الممثل المصري المبدع ماجد الكدواني ونخبة من الممثلين المتميزين، مثل رنا رئيس ومحمد رضوان وسماء إبراهيم. وقد لقي العمل ردود فعل إيجابية واسعة، بسبب الأداء الفني العالي لماجد الكدواني الذي أبدع في تجسيد شخصية "إبراهيم" الشيف الطيب المرهف الذي يعيش حزناً دائماً بسبب وفاة زوجته، والتي لم يحبّ غيرها، ولم يعرف أنّها أنجبت له ابنة لم يعرف بوجودها إلّا بعد مرور 20 سنة، بسبب تسلّط الجد الذي يضطر للاعتراف بذلك وهو على فراش الموت، لتتغيّر حياة "إبراهيم"، وهو يبني علاقة الحب مع ابنته العشرينية في فضاء من المواقف الكوميدية والملابسات والمفارقات الذكية، لنشهد تطور هذه العلاقة المتينة من التعلّق بين الأب وابنته.
ضمّ كلّ جزء 12 حلقة، حافلة بالتشويق والمتعة، ولم تخلُ من المواقف الدرامية المؤثرة، ما جعل الجمهور يطالب بجزءٍ ثالثٍ يحتمله النص بكل سهولة. وقد عالج المسلسل قضايا إنسانية عديدة، مثل العلاقات الأسرية وما يتضمّنها من ارتباك، الخيانة الزوجية، أمراض الشيخوخة، الطلاق، وغيرها من قضايا تشدّ المشاهد وتورّطه في حكايات أسرة "إبراهيم" التي تشبهنا وتعبّر عنا، الشاب الطموح الذي يحلم أن يصبح نجماً، وشقيقه الأصغر المهووس بكرة القدم، والأب العصبي الطيّب، والأم التي أبدعت الممثلة سماء إبراهيم في تجسيد دورها أماً وأختاً حنونة، دائمة القلق على شقيقها.
"موضوع عائلي" مسلسل فارق، أعادنا إلى مسلسلات اجتماعية كوميدية قديمة، مثل "أبنائي الأعزاء شكراً"، المعروف لدى الجمهور بمسلسل بابا عبده، بطولة عبد المنعم مدبولي، و"يوميات ونيس" لمحمد صبحي، وغيرهما من أعمالٍ باقية في ذاكرتنا، حين كانت الأسرة ذات زمن تجتمع يومياً أمام الشاشة الصغيرة تتابع بفرح الأحداث، وتعلو الضحكات والتعليقات والتفاعل الحقيقي بين أفراد العائلة التي تشتتت أوصالها وتفرّق أفرادها، كلٌّ منعزلٌ في عالمه الخاص، خلف هاتفه الذكي. وهذا ما بدّده مسلسل "موضوع عائلي"، وجعلنا نتنبه إلى حجم خسارتنا، حين تفرّقت بنا السبل بين جدران البيت الواحد.
كلّ التقدير لأسرة العمل البديع، ولا سيما الممثل البارع التلقائي، ماجد الكدواني، الذي وصفه بعضهم، بوحش الدراما، وهو لقب يليق بقدراته الإبداعية المذهلة التي أجمع عليها كلّ من تابع هذا العمل شديد التميز والاستثنائية.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.