28 يناير 2024
من مات مع ياسر عرفات؟
المرة الأولى التي وددت فيها أن أكون بدوياً صرفاً، حدثت يوم وفاة ياسر عرفات، ولو كنت جزءاً من السلطة الفلسطينية الحاكمة (وأرجو ألا أكون)، لما لجأت إلى دفن المرحوم، حتى أثأر من قاتله، على غرار عاداتنا البدوية.
عموماً، أتفهم العجلة التي واكبت دفن عرفات، من السلطة الحاكمة، غير أنني كلّما حلّت ذكرى وفاته أعجب من تساؤل كثيرين عن هوية القاتل، على الرغم من أنه يمشي أمامنا متبختراً مزهوّا بجريمته، اعتماداً على مقولةٍ لي رددتها كثيراً في ما مضى، مفادها: "ليس المهم من قتل ياسر عرفات، بل المهم: من مات مع ياسر عرفات؟"، علماً أن الإجابة على هذا السؤال كفيلة بإيصالنا إلى معرفة الجاني الحقيقي.
كنت أعاود القول إن في وسعنا أن نعرف ما جرى لعرفات، إذا عرفنا ما حلّ بالمناضل الأممي، كارلوس، الفنزويلي الجنسية، الذي قاتل في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أزيد من ثلاثين عاماً، وقاد عمليات اختطاف واغتيال، في دول كثيرة لصالح القضية الفلسطينية (من منظوره)، ويعدّ لدى اليسار الفلسطيني، تحديداً، أيقونة الثورة والتمرد، إلى أن قُبض عليه في السودان عام 1994، والتي سلمته إلى السلطات الفرنسية التي حكمت عليه بالسجن مدى الحياة عام 1997.
وما يهمنا من أمر كارلوس، إجابته الشهيرة، حين سأله صحافي، في أثناء جلسات المحاكمة، مستفسراً عن الجهة التي سلّمته إلى السلطات الفرنسية، فأجاب، بكل ثقة: "سلمتني المرحلة".
وبالعودة إلى وقائع "التحقيق" التي بين أيدينا، يمكن القول إن الذي مات مع ياسر عرفات هو "مرحلة" بأسرها، مرحلة أوجدها عرفات نفسه، ودفنت معه، انطلاقاً من لحظة الثورة المسلحة التي فجرها، وانتهاء بمرحلة التنازلات التي بدأها، ولم يستطع أن يواصلها، لأن شيئاً ما ألجمه، عند لحظة معينة، فأبى متابعة مسيرة التنازلات، فكان لا بد من إزاحته عن الطريق، بأي ثمن، وكان الثمن، هذه المرة، حياته نفسها.
والحال، أن الضالعين بمعرفة سير حياة الساسة العرب، يدركون، جيداً، أن مراحل حياتهم هي نفسها مراحل حياة شعوبهم وبلدانهم، لأنهم يفصّلون إيقاع الحياة في أوطانهم على عقارب ساعاتهم، مع التسويغ، طبعاً لكل مرحلة، بما يلائمها من مبرراتٍ "كاملة الأوصاف.
والواقع أن عرفات هو أحد هؤلاء الساسة الذين اعتبروا "المرحلة الفلسطينية"، كلها، رهناً بمنظورهم النضالي، ومن ثم التفاوضي، وهو الذي كان كثيراً ما يردّد أنه "سيصلي قريباً في الأقصى"، علماً أنه كان يقصد ذلك، فعلاً، وبأي ثمن، حتى ولو كان الثمن هو التفاوض، لأنه كان يرى أنه مسؤول عن إنهاء مرحلة نضاليةٍ، بدأها بنفسه، وعليه أن ينهيها بنفسه، أيضاً.
غير أن المرحوم عرفات، حين اختار طريق "اللعب مع الكبار"، على غرار أميركا، لم يكن يدرك أن هؤلاء "الكبار" كانوا يرسمون خطوطاً للنهايات، قد لا تتوافق، بالضرورة، مع خطه هو الذي كان يطمح إلى "تنازل" جزئي، من دون التفريط الكامل. إذ كان يريد مقابلاً حقيقياً يهديه إلى شعبه الذي تبعه على "الحلوة والمرة"، في مرحلتي النضال والتفاوض، حتى يثبت أنه اختار الطريق الصحيح. لكن، حين اكتشف مبلغ الشرك الذي نصب له، تردّد، ولم تفلح معه كل محاولات الترغيب والترهيب، ومحاصرته في غرفة ضيقة في "المقاطعة" في رام الله. وفي النهاية، كان لا بد من تسميمه، بعد أن عاند "الكبار" في منتصف شوط التنازلات.
إلى هذا الاستنتاج، يوصلنا التحقيق، لندرك بعدها أن قتلة ياسر عرفات كثيرون، أكثر مما يتوقع الباحثون عن الحقيقة، لأن كل من كان يروم إتمام شوط "التفريط" إلى آخره مشارك فعلي بقتل ياسر عرفات، درى ذلك أم لم يدرِ.
حاصل القول: كارلوس "سلّمته" المرحلة، وعرفات "سمّمته" المرحلة.
عموماً، أتفهم العجلة التي واكبت دفن عرفات، من السلطة الحاكمة، غير أنني كلّما حلّت ذكرى وفاته أعجب من تساؤل كثيرين عن هوية القاتل، على الرغم من أنه يمشي أمامنا متبختراً مزهوّا بجريمته، اعتماداً على مقولةٍ لي رددتها كثيراً في ما مضى، مفادها: "ليس المهم من قتل ياسر عرفات، بل المهم: من مات مع ياسر عرفات؟"، علماً أن الإجابة على هذا السؤال كفيلة بإيصالنا إلى معرفة الجاني الحقيقي.
كنت أعاود القول إن في وسعنا أن نعرف ما جرى لعرفات، إذا عرفنا ما حلّ بالمناضل الأممي، كارلوس، الفنزويلي الجنسية، الذي قاتل في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أزيد من ثلاثين عاماً، وقاد عمليات اختطاف واغتيال، في دول كثيرة لصالح القضية الفلسطينية (من منظوره)، ويعدّ لدى اليسار الفلسطيني، تحديداً، أيقونة الثورة والتمرد، إلى أن قُبض عليه في السودان عام 1994، والتي سلمته إلى السلطات الفرنسية التي حكمت عليه بالسجن مدى الحياة عام 1997.
وما يهمنا من أمر كارلوس، إجابته الشهيرة، حين سأله صحافي، في أثناء جلسات المحاكمة، مستفسراً عن الجهة التي سلّمته إلى السلطات الفرنسية، فأجاب، بكل ثقة: "سلمتني المرحلة".
وبالعودة إلى وقائع "التحقيق" التي بين أيدينا، يمكن القول إن الذي مات مع ياسر عرفات هو "مرحلة" بأسرها، مرحلة أوجدها عرفات نفسه، ودفنت معه، انطلاقاً من لحظة الثورة المسلحة التي فجرها، وانتهاء بمرحلة التنازلات التي بدأها، ولم يستطع أن يواصلها، لأن شيئاً ما ألجمه، عند لحظة معينة، فأبى متابعة مسيرة التنازلات، فكان لا بد من إزاحته عن الطريق، بأي ثمن، وكان الثمن، هذه المرة، حياته نفسها.
والحال، أن الضالعين بمعرفة سير حياة الساسة العرب، يدركون، جيداً، أن مراحل حياتهم هي نفسها مراحل حياة شعوبهم وبلدانهم، لأنهم يفصّلون إيقاع الحياة في أوطانهم على عقارب ساعاتهم، مع التسويغ، طبعاً لكل مرحلة، بما يلائمها من مبرراتٍ "كاملة الأوصاف.
والواقع أن عرفات هو أحد هؤلاء الساسة الذين اعتبروا "المرحلة الفلسطينية"، كلها، رهناً بمنظورهم النضالي، ومن ثم التفاوضي، وهو الذي كان كثيراً ما يردّد أنه "سيصلي قريباً في الأقصى"، علماً أنه كان يقصد ذلك، فعلاً، وبأي ثمن، حتى ولو كان الثمن هو التفاوض، لأنه كان يرى أنه مسؤول عن إنهاء مرحلة نضاليةٍ، بدأها بنفسه، وعليه أن ينهيها بنفسه، أيضاً.
غير أن المرحوم عرفات، حين اختار طريق "اللعب مع الكبار"، على غرار أميركا، لم يكن يدرك أن هؤلاء "الكبار" كانوا يرسمون خطوطاً للنهايات، قد لا تتوافق، بالضرورة، مع خطه هو الذي كان يطمح إلى "تنازل" جزئي، من دون التفريط الكامل. إذ كان يريد مقابلاً حقيقياً يهديه إلى شعبه الذي تبعه على "الحلوة والمرة"، في مرحلتي النضال والتفاوض، حتى يثبت أنه اختار الطريق الصحيح. لكن، حين اكتشف مبلغ الشرك الذي نصب له، تردّد، ولم تفلح معه كل محاولات الترغيب والترهيب، ومحاصرته في غرفة ضيقة في "المقاطعة" في رام الله. وفي النهاية، كان لا بد من تسميمه، بعد أن عاند "الكبار" في منتصف شوط التنازلات.
إلى هذا الاستنتاج، يوصلنا التحقيق، لندرك بعدها أن قتلة ياسر عرفات كثيرون، أكثر مما يتوقع الباحثون عن الحقيقة، لأن كل من كان يروم إتمام شوط "التفريط" إلى آخره مشارك فعلي بقتل ياسر عرفات، درى ذلك أم لم يدرِ.
حاصل القول: كارلوس "سلّمته" المرحلة، وعرفات "سمّمته" المرحلة.