من رغيد ططري إلى عدنان قصّار
الحديث عن سجينٍ ما يزال على قيد الحياة في سجون بيت الأسد غير مألوف. ليس من شيم العصابة الحاكمة الاحتفاظ بأحد سجنائها زمناً طويلاً وهو متمتع بالصحة، ويستطيع أحدٌ أن يتواصل معه، وينقل بعض أخباره، مثلما حصل مع السجين الملازم الأول الطيار، رغيد ططري، الذي يمكث في السجون السورية منذ 39 عاماً؛ فقد تواصل معه مؤسس رابطة المعتقلين والمفقودين في سجن صيدنايا، دياب سرية، وقدّم، في إحدى تغريداته، موجزاً عن أحواله وطباعه. هذا الأمر، بصراحة، لا يليق بنظامٍ يُميت سجناءه تحت التعذيب، أو بسوء التغذية والتدفئة والتهوية، أو بالأمراض الجلدية والقمل، أو من الحزن والقهر.
لم يُصادَف، في تاريخ نظام الأسد الدموي، أن حوكم أحدٌ بتهمةٍ أمنية خطيرة، وحصل على حكمٍ بالبراءة، ولكن الملازم الأول، رغيد ططري، بُرّئ من الجريمة المنسوبة إليه في أول محاكمة تعرّض لها سنة 1980، وكانت التهمة امتناعه عن قصف أهداف مدنية في حماه.. وقد صَدَّق القاضي يومذاك دفاعَه عن نفسه، حينما قال إن قائد سرب الطيران الذي فرّ بعد العملية إلى الأردن هو الذي أمر الطيارين المرافقين له بالامتناع عن القصف! وسافر ططري بعد ذلك إلى القاهرة، وبقي فيها مدة قصيرة، وعاد إلى دمشق يوم 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 1981، وهو مطمئن البال، ففي حوزته قرار حكم "براءة" أكبر من ملحفة اللّحاف، ولكنه اكتشف أن نظام الأسد كان، في غيابه، يعضّ أصابع الندم على تركه طليقاً، فتلقفه عناصر المخابرات من المطار، وأودعوه في قبوٍ لإدارة المخابرات العامة، ثم نقل إلى سجن المزّة العسكري، ومنه إلى سجن تدمر، فصيدنايا، فعدرا المركزي، إلى سجن السويداء الذي يقيم فيه منذ 2016.
سيئة الذكر، محكمة أمن الدولة، اكتفت بالحكم على رغيد ططري بالسجن المؤبد، في محاكمة استغرقت، كالعادة، خمس دقائق، مع أن الذنب الذي ارتكبه رغيد (الامتناع عن قصف المدنيين) أكبر بكثير من ذنوب الذين اعتاد نظام الأسد أن يقتلهم، فيوم تعرّض حافظ الأسد لعملية اغتيال فاشلة، سنة 1982، مثلاً، ارتفعت الحالة العصبية عند رفعت الأسد، فاصطحب فريقاً من القتلة إلى سجن تدمر، وقتلوا ما تيسّر لهم من مساجين، بينهم أناس كانوا قيد التحقيق، وقد تثبت براءتهم.
في سورية التي تحكمها العصابة الأسدية ثمّة أناس يُسجنون بتهم مضحكة، مثل عدنان قصّار الذي سجن بتهمة التفوق على باسل الأسد في مسابقة الفروسية خلال بطولة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي أقيمت في منطقة لنكدونك روسيون بفرنسا 1993. يميل محسوبكم إلى الاعتقاد بأن عدنان قصّار لم يكن يَعلم أن تفوّق السوريين في المحافل الدولية جريمة يمكن أن يُسجن لأجلها في تدمر 21 سنة. وللعلم والبيان، لم يُحاكم عدنان قصّار ويحصل على المؤبّد مثل رغيد ططري، بل أرسل إلى السجن بقرار شفوي من باسل الأسد، وحَمَّله، فوق السجن، جمائل كثيرة، إذ كتب إليه أنه لم يعلّق مشنقته في المرجة إكراماً للخبز والملح الذي بينهما. ولأن الزمان والمكان في سجن تدمر عائمان، لم يعرف عدنان قصّار السبب الذي جعل قطيعاً من السجّانين يدخلون عليه زنزانته في يوم قارس البرودة، ويشحطونه إلى الساحة، ويباشرون به ركلاً وتعجيقاً بالأرجل، وضرباً بالكابل الرباعي في حفلةٍ استغرقت ست ساعات، ثم تحول هذا اليوم إلى موعدٍ سنوي ثابت، يُشحط فيه عدنان إلى الساحة، حيث يُلكم ويُركل. وبعد خمس سنوات عرف أن هذا يجري في يوم 21 يناير، ذكرى مقتل باسل الأسد بحادث سيارة.
أخيراً؛ أحلى ما في هذه السالفة أن الوريث البديل بشار الأسد أجاب على طلب إخلاء سبيل عدنان قصّار: أنا ما لي علاقة، اللي سجنه بيخلي سبيله!