من حقّ شعوبنا أن تستمتع بالحياة كغيرها

24 فبراير 2024
+ الخط -

من حقّ أي بلدٍ أن يتصرّف بشؤونه بما يتناسَب مع مصالحه الاقتصادية، ومع تطلّعات شعبه، طالما لا يفعل ما يؤذي شعبَه ولا يضرّ بوجوده وبعيشه وبكرامته. ومن حقّ أي بلد تغيير قوانينه وتشريعاته بما يسمح بتغيير المعايير المجتمعية الموجودة منذ زمن، واستبدالها بمعايير أكثر حداثةً وأكثر انسجاماً مع حركة التطوّر العالمي ومع الحضارة التقنية التي وصلت إلى مراحل مدهشة من التطوّر، ما جعل التغيّر المجتمعي العالمي مذهلاً أيضا في سرعته. من حقّ الدول أن تغيّر في مجتمعاتها، وتطلق ما تشاء من التسميات على ما تفعله، وتصرف ما ترغب من الأموال تحت بنود السعادة والترفيه والرؤية الحديثة والإعمار، وكل هذه البنود التي من حقّ الشعوب أن تعيشها في بلادها ذاتها، بدلاً من شعورها الدائم بأنها مضطرّة للمغادرة أو للسفر طلبا لأوقاتٍ قليلةٍ من متع وترفيه أو حياة كريمة، هي واحدة من حقوق الإنسان أينما كان، ومهما كانت جنسيته أو جنسه أو مذهبه أو هويته.

من حقّ الشعوب أن تتمتّع بموارد بلادها كما تشاء، ومن حقّ الحكومات أن ترفّه عن شعوبها، وأن تجعلهم مكتفين، وتهيّئ لهم كل أدوات السعادة، هذا واجب الدول والحكومات الناجحة أساسا مثلما هو من حقوق المجتمعات الناجحة والشعوب التي تنعم بالحرية والديمقراطية، وبحقّ تقرير المصير وحقّ التغيير وحقّ التعبير وحقّ المعتقد وحقّ العيش الكريم وحقّ الأمان وحقّ الضمان الصحّي وضمان الشيخوخة وحقّ الحرية الفردية، بما فيها الحرّيات الجندرية؛ من حقّ الحكومات فعل ما تشاء في بلادها طالما شعوبها راضية لا خائفة، وطالما تحدُث هذه التغييرات ضمن رؤية استراتيجية تضمن استمرارها وتكريسها قوانين دائمة لا تتغيّر بتغيّر الحاكم أو تغيّر مزاجه أو مصالحه؛ فالأهم هنا أن لا تتعرّض الشعوب لصدمات مجتمعية تحدث نتيجة التغيّرات الكبيرة المفاجئة التي تنقلها من حال إلى حال بين يوم وليلة، فتعطّلها تلك الصدمات عن العيش وتعيق تطورها الطبيعي وقدرتها على المساهمة في الحضارة الإنسانية كأفراد وكمجتمعات تضم أفرادا متنوعين ومختلفين (هل يحدُث هذا كله؟).

ما سبق بدهيةٌ لا تقبل المناقشة، ولا يُقصد بها أية دولة أو حكومة بعينها، كما قد يخطُر لبعضهم، فالكلام عامّ وينطبق على جميع شعوب دول العالم الثالث ومجتمعاتها وحكوماتها، ونحن وإقليمنا منها، ما يجعلنا معنيّين بالكلام ومعنيّين بالدفاع عن حقوقنا، بوصفنا شعوباً، بالاستمتاع بالحياة وبما منحه الله لبلادنا من مقدّراتٍ تجعلنا مؤهّلين لذلك، وهو أيضا ما يُفترض أن يكون عامّاً ومعمّماً على الجميع، وليس استثناء ومقتصراً على شعوب بعينها كما يحدث الآن، ذلك أن بلادنا كلها وافرة الغنى وثرواتها تكفي لأن تتمتّع شعوبها بحياة باذخة، بدلاً من الانهيار الاقتصادي والمعيشي والسياسي والأمني الذي أسقطها في هاوية كبرى، أودت بها وبتاريخها الحضاري العريق إلى نهاياتٍ كارثيةٍ ستحتاج معها زمنا طويلاً جدّا، لتبدأ في نهضة جديدة، وفي استرجاع ما فقدته من سمعة وتاريخ وحاضر ومستقبل وكوادر وقوة بشرية تفرّقت وتشرّدت وتشتتت وتفكّكت وتدمّرت، بسبب فشل وفساد واستبداد وإجرام غير مسبوق للدول والأنظمة التي تحكُم هذه الشعوب، فشل ذريع لا يمكن القول معه سوى أن هذه الأنظمة لديها مهمّة واحدة، تفكيك هذه الدول وبيعها بكل قواها كما يحدُث الآن للحواضر العربية العريقة، والتي لم يبق منها شيء يُذكر إلا وتم بيعه لدول شقيقة أو صديقة أو حليفة. حتى تقاليدها الحضارية لم تسلم من البيع أو الإيجار لقرون مقبلة؛ يترافق ذلك مع نغمة داخلية تلوم الشاري والمستأجر، بدلا من لوم البائع وتحميله المسؤولية. ورغم أن للشاري دور كبير في الهاوية المعنية، ويتصرّف في ملكُه الجديد كسيّد مقابل مخدوميه، لكن من يتحمّل المسؤولية الأولى والأخيرة هي الأنظمة الحاكمة سابقا وحاليا، وهو ما يعرفه الجميع، غير أن النتائج الكارثية للثورات المضادّة للربيع العربي أعادت للخوف الشعبي تركيزه القوي ما يجعل من الأسهل له (أمنيا) إلقاء اللوم على آخرين هم مسؤولون أيضا بشكلٍ من الأشكال، طالما لا يروْن فيما يحدُث لهذه المجتمعات التي كانت عريقة ذات يوم سوى عرض ترفيهي في موسم الخراب الكبير الذي نعيش جميعا للأسف.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.