معارضة سورية على القياس التركي

معارضة سورية على القياس التركي

01 يناير 2023

سوريون يحتجون ضد تقارب محتمل بين دمشق وأنقرة في إدلب (30/12/2022/فرانس برس)

+ الخط -

في الأيام الأولى للثورة السورية التي اندلعت في عام 2011، بثت قناة سما الموالية مشهداً لتظاهرات في دمشق، وقالت إنها "مسيرة ابتهاج بهطول المطر". اليوم، وبعد مرور 12 عاماً على الثورة، يسير الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية على النهج نفسه في وصفه التظاهرات العارمة التي عمّت الشمال السوري رفضاً للتطبيع المرتقب بين تركيا والنظام السوري، وما يمكن أن يعكسه ذلك على وضع اللاجئين السوريين، سواء في تركيا أو في المناطق التي تسمّى "محرّرة".

لم يكتف الائتلاف السوري بالصمت التام على ما يشهده ملف العلاقة بين تركيا والنظام السوري، بل حتى تجنّب الإشارة إلى الأمر في تعاطيه مع التظاهرات في الشمال السوري، إذ جاءت تغريدته عنها خالية من أي ذكر للسبب الحقيقي لهذا المشهد الغاضب، قائلاً "مظاهرات حاشدة تعم المدن المحرّرة (#إدلب، #الأتارب، #أعزاز، دارة عزة، #الراعي، #مارع، #عفرين، #الباب، #تل_أبيض، #جرابلس، #جاسم في #درعا، وبلدات أخرى) تؤكّد ثوابت الثورة السورية بإسقاط النظام والانتقال السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي".

يؤكد هذا اللاموقف الذي أصدره الائتلاف السوري المعارض كل ما يقوله المعارضون السوريون إن هذه الهيئة، وغيرها من الهيئات "الرسمية"، والتي يفترض أنها تمثل المعارضة، باتت منتهية، ولم تعد سوى واجهة تستخدمها القوى السياسية المؤثرة في سورية، وفي مقدمتها تركيا. ولعل تصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بعد اجتماع موسكو الذي ضم وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، مع نظيره السوري، علي محمود عباس، ورؤساء الاستخبارات في البلدين، بالإضافة إلى رئيس الاستخبارات الروسي، خير دليل على أن هذه الهيئات لم يعد هناك أي داعٍ لوجودها. قال جاويش أوغلو في تعليقه على اللقاء إن "عدداً قليلاً جداً من الجماعات المعارضة في سورية، نظراً إلى مصالحها الخاصة، ردّت على الخطوات التي اتخذتها تركيا في ما يتعلق بسورية، لكن لم يكن هناك أي ردة فعل من ممثلي المعارضة السورية".

في نظر أنقرة، لا وجود للمعارضة السورية خارج الأطر الأربعة التي تدور في الفلك التركي، متمثلة بالائتلاف والجيش الوطني السوري والهيئة العليا للمفازضات واللجنة الدستورية. وقد التزمت هذه الأطر الصمت التام تجاه الخطوات التركية الهادفة عملياً إلى تصفية ما تبقى من الثورة السورية. لكن هذا لا يبدو أنه يعني هذه الهيئات بشيء، بما أن الوزير التركي أبدى أن بلاده "ضامنة للمعارضة السورية"، والمعنى هنا لا يخرُج عن هذه الهيئات، والتي يبدو أن المفاوض التركي يدخل أفرادها في حسابات تواصله مع الجانب السوري.

ليس هذا الصمت على الممارسات التركية جديداً على هذه المعارضة، المفترض أنها تمثل "الثورة السورية"، لكنها تجاهلت كل الممارسات التي تقوم بها السلطات التركية ضد اللاجئين في البلاد، وفي مقدمتها عمليات الترحيل القسري المستمرّة والمتصاعدة. ولم يعد الأمر مقتصراً على التوقيف الاعتباطي الذي كان يحصل سابقاً، خصوصاً عند محاولات تجديد بطاقات الحماية المؤقتة، بل تطوّر ليصل إلى حد اقتحام المنازل وترحيل عائلاتٍ بأكملها إلى مناطق ليست آمنة، على عكس ما تسعى أنقرة إلى ترويجه.

من حقّ السوريين اليوم في تركيا، وفي الشمال السوري، أن يشعروا بالقلق من تحولات السياسة التركية، خصوصاً في وجود معارضة متماهية إلى حد كبير مع أنقرة وتوجهاتها. قلق له ما يبرّره، لا سيما أن للنظام التركي سوابق في التعامل مع معارضين كان يحتويهم، ثم انقلب عليهم، على غرار ما حدث مع معارضين مصريين كانوا في تركيا، إذ لم ينتظر المصالحة الكاملة مع النظام المصري، بل استبقها لإسكات المعارضين وإغلاق قنواتهم. وإذا كان "الائتلاف" وغيره يظنون أن مصيرهم سيكون مختلفاً، فهم بالتأكيد مخطئون.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".