11 نوفمبر 2024
مصر ملفاً حقوقياً
"طقّ شِرش الحياء" لدى نظام الحكم الراهن في مصر.. هذا قولٌ يوجِز كل ما يمكن أن يُقال بصدد مهرجان أحكام الإعدام المتواصل هناك، وبشأن المحاكمات في قضايا، يتظارَف صُنّاعها ومبتكروها، ولا يفلحون إلا بإثارة الضحك الذي كالبكاء، من غير النوع البورخيسي الغنيّ الخيال، وإنما هو رثٌّ وسخيف. أما من يقول إن من غير الجائز أن يعقّب أحدٌ على أحكام القضاء، فلا ردّ على نكتته هذه بغير نعت سماجتها بثقل الدم. أيُّ تخابرٍ هذا الذي اقترفه الرئيس محمد مرسي مع قطر، حتى يُساء إلى مقامه واسمه، ويصدر حكمٌ بالسجن المؤبّد له؟ وأي أضرارٍ أحدثها صحافيون وإعلاميون بأمن مصر (القومي؟!)، في تجسّسهم المزعوم لدولة قطر، حتى يصيروا مطلوبين لشنقهم، في أحكامٍ بإعدامهم، بدا الهزل فيها أنفع لأفلام عبد السلام النابلسي من أن نضيّع أوقاتنا في تظهير رداءته.
ليُنفق المحامون الموكلون للترافع عن الرئيس مرسي، وعن الزميلين في "الجزيرة" وغيرهما من الإعلاميين الذين حُكم عليهم في القاهرة، أول من أمس، بالإعدام، ليُنفقوا ما يشاؤون من وقت، في الردّ على هذه الأحكام، بكشف عوارها وضعفها وإشهار ما ينقصها من لوازم العدالة. أما نحن، من غير أهل الاختصاص، فلنا أن نسلك ما نشاء من أدوات المعايَنة في حال مصر المنكوبة بنظامٍ لم تعد تسميته نظاماً وجيهةً تماماً، بفعل انحطاطٍ معلومٍ صار عليه أداؤه في غير شأن. وبفعل هذا التردّي في راهن مؤسسة القضاء هناك، والتي كان الظنّ أنها أقوى من أن تصير ذيلاً لأي أحدٍ أو أي جهة. وللحقّ، ثمة مآثر، على قلتها، للقضاء المصري، في عهودٍ سابقةٍ على استبداد عبد الفتاح السيسي، تيسّر وجاهةً للقول إنّ في وسع هذا القضاء، لو أراد، أن يحقّق لنفسه سلطة العدالة التي ينبغي أن يحوزها.
ولكن، من قال إن في مقدور القضاء في مصر أن يكون على غير حالته التي نرى، ومن جديد أعراضها أحكام قضية "التخابر مع قطر"، وهذه "شبه الدولة" على ما نرى من وقائع وتفاصيل؟ غلاء أسعار السلع الذي لا قدرة على ضبطه، تدهور مستوى التعليم وتسرّب امتحانات الثانوية العامة، موت مئات المحتجزين بالتعذيب، وبما يسمّى "الإهمال الطبي"، السمعة البالغة السوء في العالم لمصر بوصفها ملفاً حقوقياً ولا شيء آخر، قبل جريمة قتل جوليو ريجيني وبعدها، قبل (وبعد) إزهاق أرواح ستة مصريين بدعاوى قتلهم هذا الشاب الإيطالي. أما قتل شرطي مصري مواطناً بسبب كأس شاي فلم تكن حادثةً فردية معزولة، وإنما واقعةٌ كاشفةٌ على مقادير العنف المقيم في السلطة، والذي تحتكم إليه في الصلة مع المواطنين المرهقين بمتاعب العيش في كنف رئاسةٍ فقيرة الخيال، مفضوحة، ملتحقة بإرادات موظفين في وزارات الخارجية، في أبوظبي والرياض وواشنطن وتل أبيب.
الظاهر أنه لا "عقل" لدى الحكم الراهن في مصر، في وسعه أن يوقف الهرولة المتسارعة نحو التّفاهة، بل ثمّة من يظن، في دوائر الحكم المذكور، أن كل هذه الأرطال من الدعائيّة التي يدلقها في وسائط الإعلام المتحكّم بها، للنظام الذي لا شغل له غير إسعاد المصريين، وللرئيس الذي لا ينام سوى ساعتين في اليوم، في مقدورها أن تصيّر الفسيخ "شرباتٍ" حقاً، لا مجازاً. ولأن حالة الهوس بالذات، وأمام المصريين وعلى شاشات تلفزاتهم فحسب، على النحو المَرضي الذي نعرف، فإنّ من العبث أن يصرف الواحد منا أيّ كلامٍ بشأن "التخابر مع قطر"، وغيرها من قضايا في المحاكم وفي خارجها، حيث اليأس والإحباط وضعف الانتساب إلى المجموع العام صارت ظواهر غير خافيةٍ للناظرين في الشارع المصري. ولأن اللوحة هناك هذه بعض علامات الشّناعة فيها، يصير الأوْلى مناجاة الله، جلّت قدرته، بأن يلطف المصريين، وقد صار بلدُهم مجرد ملفّ حقوقيّ، لا غير، لشديد الأسف.
ليُنفق المحامون الموكلون للترافع عن الرئيس مرسي، وعن الزميلين في "الجزيرة" وغيرهما من الإعلاميين الذين حُكم عليهم في القاهرة، أول من أمس، بالإعدام، ليُنفقوا ما يشاؤون من وقت، في الردّ على هذه الأحكام، بكشف عوارها وضعفها وإشهار ما ينقصها من لوازم العدالة. أما نحن، من غير أهل الاختصاص، فلنا أن نسلك ما نشاء من أدوات المعايَنة في حال مصر المنكوبة بنظامٍ لم تعد تسميته نظاماً وجيهةً تماماً، بفعل انحطاطٍ معلومٍ صار عليه أداؤه في غير شأن. وبفعل هذا التردّي في راهن مؤسسة القضاء هناك، والتي كان الظنّ أنها أقوى من أن تصير ذيلاً لأي أحدٍ أو أي جهة. وللحقّ، ثمة مآثر، على قلتها، للقضاء المصري، في عهودٍ سابقةٍ على استبداد عبد الفتاح السيسي، تيسّر وجاهةً للقول إنّ في وسع هذا القضاء، لو أراد، أن يحقّق لنفسه سلطة العدالة التي ينبغي أن يحوزها.
ولكن، من قال إن في مقدور القضاء في مصر أن يكون على غير حالته التي نرى، ومن جديد أعراضها أحكام قضية "التخابر مع قطر"، وهذه "شبه الدولة" على ما نرى من وقائع وتفاصيل؟ غلاء أسعار السلع الذي لا قدرة على ضبطه، تدهور مستوى التعليم وتسرّب امتحانات الثانوية العامة، موت مئات المحتجزين بالتعذيب، وبما يسمّى "الإهمال الطبي"، السمعة البالغة السوء في العالم لمصر بوصفها ملفاً حقوقياً ولا شيء آخر، قبل جريمة قتل جوليو ريجيني وبعدها، قبل (وبعد) إزهاق أرواح ستة مصريين بدعاوى قتلهم هذا الشاب الإيطالي. أما قتل شرطي مصري مواطناً بسبب كأس شاي فلم تكن حادثةً فردية معزولة، وإنما واقعةٌ كاشفةٌ على مقادير العنف المقيم في السلطة، والذي تحتكم إليه في الصلة مع المواطنين المرهقين بمتاعب العيش في كنف رئاسةٍ فقيرة الخيال، مفضوحة، ملتحقة بإرادات موظفين في وزارات الخارجية، في أبوظبي والرياض وواشنطن وتل أبيب.
الظاهر أنه لا "عقل" لدى الحكم الراهن في مصر، في وسعه أن يوقف الهرولة المتسارعة نحو التّفاهة، بل ثمّة من يظن، في دوائر الحكم المذكور، أن كل هذه الأرطال من الدعائيّة التي يدلقها في وسائط الإعلام المتحكّم بها، للنظام الذي لا شغل له غير إسعاد المصريين، وللرئيس الذي لا ينام سوى ساعتين في اليوم، في مقدورها أن تصيّر الفسيخ "شرباتٍ" حقاً، لا مجازاً. ولأن حالة الهوس بالذات، وأمام المصريين وعلى شاشات تلفزاتهم فحسب، على النحو المَرضي الذي نعرف، فإنّ من العبث أن يصرف الواحد منا أيّ كلامٍ بشأن "التخابر مع قطر"، وغيرها من قضايا في المحاكم وفي خارجها، حيث اليأس والإحباط وضعف الانتساب إلى المجموع العام صارت ظواهر غير خافيةٍ للناظرين في الشارع المصري. ولأن اللوحة هناك هذه بعض علامات الشّناعة فيها، يصير الأوْلى مناجاة الله، جلّت قدرته، بأن يلطف المصريين، وقد صار بلدُهم مجرد ملفّ حقوقيّ، لا غير، لشديد الأسف.