مشاهد الانتفاضة بعد 20 عاماً
قبل عشرين عاماً، وفي مثل هذا الشهر، وتحديداً في الثامن والعشرين من سبتمبر من عام 2000، كانت القضية الفلسطينية على موعد مع التحول الأبرز في مسارها منذ اتفاقات أوسلو، بعدما رفض الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، قبول ما تم عرضه عليه في كامب ديفيد ومن ثم في طابا، ومن ثم كان دخول أرييل شارون إلى ساحة المسجد الأقصى، ما أدّى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية، وما رافقها من محطات انتهت إلى استشهاد عرفات بعد حصاره في المقاطعة. في تلك الفترة، لم يكن حصار عرفات إسرائيلياً أميركياً فقط، بل كان عربياً أيضاً. حينها كان الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، يرفض الإجابة على المكالمات الهاتفية من أبو عمار، أو على الأقل بعضها، كما تم منع كلمة الرئيس الفلسطيني في القمة العربية في بيروت التي أنتجت المبادرة العربية للسلام، وما تلى ذلك من تخلّ عربي عن الرئيس الفلسطيني، والقضية الفلسطينية.
اليوم، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وإنْ بشكل مختلف، لا يحمل بعداً عسكرياً كما كان عليه الوضع إبّان الانتفاضة الثانية. فالتخلي عن القضية الفلسطينية بات أوضح، وأكثر فجاجة، والحصار يطبق على أبو مازن من كل جانب، عربياً ودولياً، إضافة إلى إسرائيل. وكلام السفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، أو ما نقلته عنه صحيفة "يسرائيل اليوم"، ثم عادت ونفته لاحقاً، في ما يتعلق باستبدال الرئيس عباس بالقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، لم يكن زلّة لسان من السفير أو خطأ مطبعياً من الصحيفة، بل رسالة مبطنة من التحالف الجديد الخارج من رحم مهرجان التطبيع الذي حصل في واشنطن الثلاثاء الماضي. تدرك القيادة الفلسطينية أن هذا التحالف لن يقف عند حدود الاستعراض الإعلامي الذي يريده الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتحسين صورتيهما الانتخابية، بل ستكون خطوات مكملة على الأرض في الداخل الفلسطيني. تدرك القيادة الفلسطينية أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعرفان أن هذه الاتفاقات، ومهما دخلت عليها دول إضافية، ستكون حبراً على ورق، ولن تحقق الأمن لإسرائيل، ما لم يتم التصرف تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. هذا الإدراك يحتم أن يكون هناك توجه، لاحقاً، للفلسطينيين، بعد تمهيد الأرضية العربية ودفن المبادرة العربية للسلام، بعرض "سلام" من وحي صفقة القرن، أو تفاهم ترامب - نتنياهو. لذا إن التوجه الأميركي الإسرائيلي سيكون أولاً نحو الدفع لتغيير القيادة الفلسطينية الرافضة بقوة لمثل هذا الاتفاق.
هذا وضع سياسي مشابه لما عاشته القضية الفلسطينية بعد الانتفاضة الثانية، وفي حياة أبو عمار، حين عمدت الإدارة الأميركية إلى الضغط لتبديل قيادة السلطة، ومن أطراف في السلطة كان أبرزهم دحلان نفسه، الذي اصطف خلف أبو مازن في ذلك الحين، والذي كان المرشح ليكون رئيس الوزراء الفلسطيني الأول بناء على ضغط أميركي أدى إلى استحداث هذا المنصب. الأمر الذي على السلطة الفلسطينية أن تتوقع حدوثه بصيغة ما في المرحلة المقبلة.
الفرق بين اليوم والأمس هو عدم وجود رد فعل واضح للسلطة الفلسطينية، وحتى للفصائل. فإضافة إلى التصريحات وبيانات الإدانة، لم يكن هناك أي تحرك واسع على الأرض للتنديد باتفاقات التطبيع الإماراتية البحرينية الإسرائيلية، رغم أنه من المفترض أن السلطة والفصائل اتفقتا على تفعيل المقاومة الشعبية. فإذا لم تكن هذه المقاومة اليوم رداً على الهجمة على القضية الفلسطينية وهذه الاتفاقات التطبيعية وتبعاتها، فمتى تكون؟