مسلسل معبر رفح

16 ديسمبر 2015

النوم بين الحقائب بانتظار العبور إلى مصر (3 ديسمبر/2015/الأناضول)

+ الخط -
تفتش في وسائل الإعلام الفلسطينية الرسمية عن خبرٍ بشأن جهد رئاسي أو حكومي، من أجل حل قضية معبر رفح المزمنة، أي قضية إغلاق القاهرة الدائم والمتقطع لبوابته المصرية، مع تمسك حركة حماس بسيطرةٍ لها على الجانب الفلسطيني منه، تفتش عن طرف خبر في هذا الأمر، فلا تصادف شيئاً. ثم تُقنع نفسك بأن جهود الرئيس محمود عباس وحكومة رامي الحمد الله (الحثيثة؟) للتوصل إلى صيغةٍ خلاقةٍ ودائمة (أو مستدامة؟) تنهي هذه القضية ليس شرطاً أن تكون متاحة للسابلة، ربما بالنظر إلى أن سمتاً أمنياً غير خافٍ في القضية كلها، أو ربما تصديقاً للثرثرات المرسلة للتلفزات المصرية عن ارتباط إغلاق معبر رفح (وفتحه؟) بالأمن القومي المصري. وفيما تستمر معاناة أهالي قطاع غزة جرّاء هذه القضية، الإنسانية والسياسية والأمنية، فإن أرطالاً من الضجر صارت تحدثها كل هذه الخرّافية المملة. ولا سيما أنه يغشاك، في أثنائها، شعور بأن اكتراث الرئاسة الفلسطينية وحكومتها بالموضوع طفيف، أو موسمي عابر، وأحياناً لرفع العتب، والأوضح فيه هو التسليم بحق مصر في إجراءاتها، وتحميل المسؤولية عن معاناة الأهالي على حركة حماس.
بإيجاز، للقاهرة كل الحق في مطلبها وجود السلطة الوطنية الفلسطينية رسمياً في الجانب الفلسطيني في معبر رفح، وهو مطلب ظلت تطرحه إبّان حسني مبارك وعمرو سليمان، واستمر في ولاية المجلس العسكري، وفي سنة محمد مرسي، وتشدّد عليه الآن أجهزة عبد الفتاح السيسي. ووجاهة هذا المطلب بديهية، فلا يمكن التسليم بسلطة أي فصيل سياسي على معبر حدودي. ولمّا صدّقنا أن شوطاً مهماً من المصالحة بين سلطتي حماس في غزة وحركة فتح في رام الله، تم قطعه، في "اتفاق الشاطئ" في إبريل/نيسان 2014، بدليل تشكيل حكومة توافق وطني بموجبه، وحل حكومة حماس في القطاع، لمّا صدّقنا ذلك، كان الظن أن حلقات مسلسل معبر رفح ستنتهي تلقائياً، أو أقله بتفاهمٍ إجرائي ميسور، لكن ما استجد في هذا الملف كان واحداً من مؤشراتٍ غير هينة العدد على أن المصالحة المكتملة لا يُراد لها أن تنعقد. وعلى ما تردّد، فإن حماس أبدت جاهزيتها لتسليم إدارة المعبر والإشراف الأمني عليه للسلطة، ممثلة بالأمن الرئاسي ووزارة الداخلية، غير أنها فوجئت بإشهار اتفاق المعابر، الموقع مع إسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2005، أساساً إجرائياً وعملياً لتنظيم عمليتي الدخول من معبر رفح والخروج منه، وهو ينص على مراقبةٍ إسرائيلية للعابرين بكاميراتٍ يشغّلها مشرفون من الاتحاد الأوروبي، وليس مستبعداً أن القاهرة من طلبت "تفعيل" ذلك الاتفاق الذي لم تُعارضه حماس كثيراً عند التوصل إليه، لكنها لا تحتمل الآن ذِكراً له.
تداولت حكومة الحمد الله وحماس من أجل الوصول إلى صيغةٍ تحل إشكالات تسلم السلطة إدارة المعبر العتيد، ومنها مسألة الموظفين الذين عينتهم حكومة حماس في المعبر، غير أنهما لم تصلا إلى تفاهم، ما قد يعود إلى رغبتهما في ترك الأمور على حالها، بالنظر إلى أن للقاهرة نفوذها بشأن أي تفاهم، وليس في وسع الرئيس محمود عباس إهمال شروطها ومطالبها. ولأن ضحايا هذه المراوحة السقيمة في حلقات مسلسل دراما رفح غزّيون منسيون محاصرون، فلم يكن متوقعاً أن يفطن لشأنهم نبيل العربي (ما أخباره؟) مثلاً، ولا جون كيري، سيما وأنه ليس هناك جندي إسرائيلي أسير في القطاع اسمه جلعاد شاليط، يذكّر الاتحاد الأوروبي أو بان كي مون أو "الإليزيه" بهؤلاء الناس. وأحدث حلقات هذا المسلسل أن خمسة فصائل فلسطينية صاغت، أخيراً، "مبادرة" من خمس نقاط لإعادة فتح معبر رفح كاملاً، وإنهاء أزمته المديدة، تتضمن تثبيت الموظفين الذين عينتهم "حماس" رسمياً ورفدهم بموظفين سابقين، وأن تكون مسؤولية أمن المعبر للأمن الرئاسي، وأن تتسلم إدارته شخصية مستقلة بالتنسيق مع حكومة التوافق. وليس مؤكداً نجاح هذه المبادرة أو قبولها، فلم يُتخذ قرار بعد بحلحلة خيوط التشابك بين رام الله وغزة والقاهرة.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.