"مسبار" وجائحة الأخبار الزائفة

21 ابريل 2020
+ الخط -
أمّا وأن ثمّة علاقةَ قرابةٍ مؤسسيةٍ قائمةٌ بين موقعي العربي الجديد ومسبار(https://misbar.com) فهذا قد يجيز لبعضهم أن يذكّر بالمثل الذائع إن لا أحد يقول عن زيتِه إنه عِكر، ولكنّ هذه السطور لا يعنيها نفي هذا النعت عن هذا الزيت، الصافي حقا، وإنما تلحّ على تقديرٍ أكثر من ضروريٍّ للمجهود المهني والعلمي، عالي القيمة، والذي يبذله الزملاء في الموقع الناهض (أطلق نهاية يناير/ كانون الثاني 2020)، في إشهار أخبار (وصور وفيديوهات) زائفة، وأخرى غير صحيحة، وثالثة مضلّلة، ورابعة مفبركة، يضجّ بها فضاء الإعلام الراهن، بكل أنواعه، سيما العربي منه. بل وأيضا في إيضاح الوسائل التي جرى الأخذُ بها للتحقّق من الزيف والتضليل والكذب والفبركة. وليست مناسبةُ ثناء صاحب هذه الكلمات هنا على الموقع الزميل أن أكثر من مائة يوم مضت على إطلاقه، ما يعني انتهاء فترة الانطباعات الأولى، وإنما هي أن الزملاء ما أن بدأوا عملهم، ورسموا له خطوطَه، وانتهوا من تفاصيله التقنية والفنية (وهي ميسّرة وسلسة وجذّابة، للحق)، حتى وجدوا أنفسَهم أمام جائحة أخبارٍ زائفةٍ ومضللةٍ وكاذبةٍ (وصور وفيديوهات) لا تتوقف عن فيروس كورونا المستجد وتداعيات الأزمة المهولة التي أحدثها، فانقطعوا، إلى حدّ ظاهر، لتطويق هذه الجائحة، كما لو أنهم في موازاة الأطباء والعاملين في الصحة والسلامة العامة الذين يُجاهدون في كل العالم من أجل شفاء المصابين بالفيروس المقيت، عندما يباشر هؤلاء الزملاء الفحص الذي يدقّق في تلك المواد، وكثيرٌ منها صور وفيديوهات، ويشرّحونها ويخضعونها إلى مجاهر التّثبت من سلامتها أو عدمها (كما يعمل المخبريون؟).
ويحسُن التأشير هنا إلى أن "مسبار" مسبوقٌ بمواقع إلكترونية ومنصّات مماثلة، بعضُها طيب المستوى، وكثير منها محليّ في البلاد التي يعمل فيها. كما يحسُن تثمين المبادرة التي بدأتها وكالة الأنباء الفرنسية، لمّا خصصت نشرةً تعتني بالأخبار الزائفة والكاذبة. ولا يُغفل، هنا، عن البرنامج التلفزيوني "بوليغراف" الأسبوعي على شاشة تلفزيون العربي، وهو يستعرض أبرز الشائعات والأكاذيب التي تداولتها وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي، ويكشف عن الجهات وراءها، والأهداف السياسية منها، وكيف كانت تداعياتها. ولعله الوحيد من نوعه النادر، في القنوات والتلفزات العربية. كما أن فقرة خاصة في برنامج "شبابيك"، في تلفزيون العربي أيضا، تساهم في محاربة مرض الأخبار الزائفة، عندما تستعرض بعضا منها، وتوضح التصحيح اللازم بشأنها. وقد صار مؤكّدا أن الحاجة ملحّةٌ لتدريب كفاءاتٍ في المهنة الإعلامية لتعمل في هذا اللون من المواد التي ينكشف فيها زيف الأخبار والصور المضللة والكاذبة وغير الصحيحة، سواء طيّر هذه ونشرها أصحابُها بالخطأ والسهو والتسرع أم لقصد أو غرض أو لتؤدّي وظيفة معينة.
استطاع "مسبار"، في وقت قصير، تأكيد حضوره في الفضاء الإعلامي العربي، على صعيد المهمة التي أناط نفسه بها، لمّا سمّى نفسه "منصّةً عربيةً لفحص الحقيقة وكشف الكذب في الفضاء العمومي"، وقد دلّ منتوج الموقع النشط على صحة ما أوضحه عن نفسِه أن التزام خبرائه بأعلى المعايير الصحافية، واستخدامهم مختلف تقنيات الذكاء الاصطناعي، "سيشكل أداة فعالةً في مكافحة التضليل". وإلى هذا كله، صنع الموقع منجزا فائق الأهمية، لمّا أفاد جمهوره بمؤشره في شأن أبرز الأخبار الزائفة حول فيروس كورونا في شهر مارس/ آذار، في المادة الموثقة التي نشرها في 2 إبريل/ نيسان الحالي، https://misbar.com/editorial/2020/04/02، وقد اشتملت على إيضاحاتٍ فائقة الأهمية بشأن جائحة الأخبار الزائفة عن كورونا التي تلقاها الجمهور العام في غضون طوفان المواد الإعلامية المهولة عن الفيروس والأزمة الراهنة، على شاشات التلفزات وفي المواقع الإلكترونية، ومن ذلك أن نسبة الأخبار الكاذبة عن كورونا في "مسبار" نفسه بلغت 74.6% من مجموع الأخبار الكاذبة المنشورة في الموقع (في مارس/ آذار)، الأمر الذي دفع هيئة التحرير إلى استحداث قسم خاص بهذا الأمر.
.. إنه الكذبُ كثيرٌ يحيط بنا في غضون تغذيتنا الدائمة، في كل دقيقة، بالأخبار والصور، عن غير قضيةٍ وشأن، وثمّة جنود يحاربونه بكفاءة، عملهم جديرٌ بالعرفان، ومنهم أصحابنا في "مسبار".
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.