مرّوا من عُمان وكتبوا عنها

14 مارس 2022

مشهد من وادي شاب في عُمان (Getty)

+ الخط -

كتّاب عرب عديدون مرّوا بعُمان خرجوا منها بمقال أو أكثر، وربما بمشروع كتاب رحلة أو فصل طويل منه، كما فعل الشاعر الراحل، أمجد ناصر، في كتابه "خبط الأجنحة – سيرة المدن والمنافي والرحيل"، وقد كان فصل عُمان الأوفر في هذا الكتاب. وأنا أتذكّر كيف كان أمجد يبحث عن المصادر التاريخية لكي يحملها معه إلى لندن قبل أن يشرع في كتابة رحلته الطويلة، وما تركته في نفسه من دهشة. وإذا كانت الرحلة تعدّ إبداعا مهما في وصف المكان، نظرا إلى اتصافها بالدقة في سرد المعلومات، ممزوجا بالبحث عن المعلومات وبشاعرية الوصف التعبيري للأماكن والمشاهد، إلا أن الرواية هي الجنس الأصعب في هذا السياق، وذلك بسبب تدخل الخيال الذي يشكّل عنصرا مهما في بناء أي رواية، حتى إن كانت واقعية أو تاريخية. والخيال هنا لا يعني، بالضرورة، عدم الدقة، إنما العكس. الذهاب بعيدا في هذه الدقة لاجتراح إمكانات جديدة لم يكن لغير عين الروائي التقاطها. ولكن، على الرغم من ذلك، لا نعدم وجود روايات عربية عديدة كانت عُمان فضاءها وخلفيتها السردية، فمن مصر وحدها يمكن أن نقف على ثلاثة كتّاب: صنع الله إبراهيم الذي جاء في زيارة قصيرة، وحين عاد كتب رواية تستلهم الذاكرة السياسية العُمانية، وخصوصا حرب ظفار، فكتب رواية "وردة"، نسبة إلى امرأة كانت مناضلة نسوية، استلّها الكاتب من هامش التاريخ ووثّق مسيرتها مع تدخل الخيال الذي من وظائفه البحث عن الممكنات، وإن لم تحدُث حقيقة، ولكن فيها إمكانية للحدوث، وهو ما عبّر عنه صنع الله في الصفحة الأولى من الرواية بأنها تنتمي إلى عالم الخيال، وأي شبه بالواقع لن يكون إلا من باب المصادفة.
الثاني إبراهيم عبد المجيد، الذي خرج من عُمان برواية "شهد القلعة"، حيث زار مسقط بدعوة ثقافية، وقد صادف وجوده إقامة فعالية في قلعة عُمانية قديمة، تسمى "حصن الفليج"، كانت وزارة السياحة ترعاها لإقامة فعاليات، حيث اشترك في تسييرها كتّاب عُمانيون، منهم أحمد الوهيبي وعبدالله الريامي، وأقاموا فعاليات ثقافية متنوعة، واستضافوا كتّابا مرموقين وفنانين. وقد صادف وجود عبد المجيد أحد هذه العروض، ولكن الروائي المحترف كان أكثر ما عناه هو القلعة الأثرية التي تحوّلت إلى مسرح مفتوح، أشبه بمسرح يوناني قديم، تشع قناديله في الظلام، خصوصا أن العروض كانت تُقام في الليل. للأسف، أصبحت هذه القلعة معطلة، بعد جولات مهمة من العروض الفنية الراقية، ولنا أمل في أعادة تأهيلها، نظرا إلى أنها تراث أو كنز كبير شبه جاهز طبيعيا وبلمسات تاريخية عريقة.
الكاتب الثالث مصري أيضا، إبراهيم فرغلي، صاحب رواية "أبناء الجبلاوي" التي حاكت عوالم شخصيات نجيب محفوظ. ولأنه عاش في عُمان مع عائلته، قبل أن يغادرها للعمل في الصحافة الكويتية، كانت عُمان فضاء روايته "كهف الفراشات" وخلفيتها.
ولا تقف الخريطة عند هذا الحد في البحث عن الروايات العربية التي جعلت من المكان العُماني مادّة حكائية وسردية لها، كرواية المغربي محمد يوب "الجبل الأبيض"، حيث عاش صاحبها على مشارف هذا الجبل في قرية محلاح التابعة لولاية دما والطائيين، وقضى هناك عشر سنوات مدرّسا للعربية. وقد تخيل الكاتب مجموعة مستكشفين يحاولون صعوده، حيث يعيش في قمّته بعض العائلات، مهّدت الحكومة حاليا الطريق إليهم بشارع مرصوف، غير أنه لم تكن، في زمن الرواية أية وسيلة للصعود سوى الحبال أو الخيول. يمكن كذلك ذكر الكاتب البحريني الراحل، فريد رمضان، الذي كان يأتي باستمرار إلى مطرح، من أجل تأثيث مجموعة من رواياته التي تدور حول أحداث وحكايات تاريخية.
لا بد أن المكان العُماني جاذبٌ للكتابة بتنوع تضاريسه وغرابته، كما أن من شأن دعوة كتّاب عرب لزيارة عُمان أن توفر مدوّنات انطباعية كثيرة ستشكّل تراثا أدبيا وبيئيا لا غنى عنه.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي