مخاطر مسكوتٌ عنها في سدّ النهضة

مخاطر مسكوتٌ عنها في سدّ النهضة

10 يوليو 2023
+ الخط -

توشك إثيوبيا على تنفيذ المرحلة الرابعة من ملء خزّان سدّ النهضة، ولا تزال جوانب كثيرة في قضية السد مسكوتاً عنها، فالخطورة الحقيقية في المشروع أبعد من المدى الزمني أو توقيتات الملء وجرعاته، فرغم أن المرحلة الرابعة الوشيكة تعني حرمان مصر من نصف حصّتها المائية تقريباً، وهو أمرٌ جلل، إلا أن الكارثة المسكوت عنها تكمن في المراحل اللاحقة على إكمال بناء السدّ وملئه، وتحديداً ما يُعرف في مجال السدود بقواعد التشغيل، أي البروتوكولات والإجراءات الفنية الحاكمة لعمليات تشغيل السدّ، وفقاً للمعطيات القائمة والسيناريوهات المستقبلية، والبدائل في كل حالة. 
المستوى الثاني الخطير "المسكوت عنه" في مشروع سدّ النهضة غياب أي ضماناتٍ أو التزاماتٍ بشأن تغير وظيفة السد وأوجه استفادة إثيوبيا منه، فالهدف المعلن توليد الكهرباء. وليس سرّاً أن فائض الكهرباء المولَّدة سيُعرَض للبيع إلى دول أخرى. ولا ضمانة تحول دون توجّه إثيوبيا مستقبلاً إلى بيع المياه التي تمر عبر السد أيضاً. 
لهذه الخشية ما يبرّرها في ظل السياسة الانفرادية التي تدير بها إثيوبيا المشروع ككل، والقرارات الأحادية التي تتخذها وتنفذها منذ أعوام. فضلاً عن التصريحات التي تشي بأن الإدراك الإثيوبي ليس فقط للسد، وإنما لملف مياه النيل عموماً، يعتبر ما يمرّ بالأراضي الإثيوبية من مياه النيل ملكية منفردة وخالصة لها. وهذا هو مغزى مجاهرة إثيوبيا (ودول نيلية أخرى) بعدم الاعتراف بالاتفاقيات الخاصة بمياه النيل. حيث المضمون الأهم في تلك الاتفاقيات ضمان حصّة مصر من المياه، وعدم اتّخاذ أيٍّ من دول حوض النيل خطوات أو إجراءات من شأنها التأثير على تلك الحصّة أو إقامة أية مشروعات مائية أو غيرها في مسار النهر من دون موافقة مصر. بالتالي، عدم الاعتراف بتلك الاتفاقيات يعني إنكار أحقّية مصر في الحصّة المائية المحدّدة في تلك الاتفاقيات، ونفي ضمني لحقّها في الموافقة المسبقة على المشروعات التي تُقام على النهر. 
ثمّة جانب ثالث مسكوتٌ عنه، على الأقل علناً. وهو اشتمال المخطّط الإثيوبي على سدود عدّة سيجرى بناؤها تباعاً. ليست كلها بالخطورة أو درجة الإضرار نفسها بمصر والسودان، لكن بعد بناء سدّ النهضة وخضوع عملية تشغيله لقرار إثيوبيا منفردة، فإن تكرار تلك السابقة يعني أن بناء وقواعد تشغيل واحدٍ على الأقل من السدود الأخرى سيكون بمثابة طعنة أخيرة لشريان الحياة في مصر.
الوجه الأخطر والمثير للتساؤل، بل والريبة، في سكوت مصر عن هذه التهديدات المصيرية، ليس فقط سكوت الإعلام، رغم أنه ورقة ضغط قوية وفعّالة في تلك القضايا، وإنما هو عدم التعاطي معها، لا عملياً ولا دبلوماسياً ولا قانونياً، كما لو أنها غير موجودة أو لا تمثل تهديداً لمصر بأيّ شكل، فقد تمسّكت مصر بمسار تفاوضي شكلي وفارغ المضمون، وأبدت صبراً طويلاً وتساهلاً غير مفهوم مع تعنّت إثيوبيا ورفضها أي إطار قانوني ملزم أو حتى تقديم أي إشارة لحسن النّيات.
وفي الوقت ذاته، ظلت مصر مع كل مرحلةٍ من مراحل بناء السد ثم ملئه تكتفي بتحذيرات وتنبيهات رسمية وانتقادات إعلامية. لتتكرّر تلك الدورة من الضجّة الفارغة على مدار 12 عاماً متواصلة. وفي كل مرّة، تملأ إثيوبيا، ولا تُعلن مصر حجم أضرار الملء، فتبدو حُججها في الاعتراض ضعيفة وبلا أساس. 
وهكذا يتأكّد يوماً بعد يوم أن تلك الاعتراضات غير الجدّية عديمة الجدوى، للاستهلاك المحلي لا أكثر. وهي فعلياً ليست إلا الوجه الآخر للصمت الرهيب والسكوت المريب عن الخطر الداهم على تدفّق مياه النيل وحياة المصريين.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.