محيي إسماعيل... من غير أن تتعجّب

محيي إسماعيل... من غير أن تتعجّب

08 فبراير 2024
+ الخط -

في الأسابيع التي أعلن فيها عادل إمام اعتزال الفن نهائياً للتفرّغ لبقايا سعاداته بجوار أحفاده، وامتلاك ياسمين صبري طائرة خاصة، مع امتلاك محمد رمضان عدة سيارات غالية السعر، وحصول المذيع عمرو أديب على الجنسية السعودية، ومن بعده حصول النجم محمد هنيدي على جواز السفر السعودي مع توصية من تركي آل الشيخ بتنفيذ الجزء الثاني من فيلم "صعيدي في الجامعة الأميركية" بالنجم نفسه محمد هنيدي وفي أسرع وقت، وفي الطريق نتابع باقي الأسماء الفنية للحصول على الجواز نفسه، في ذلك الوقت، ومن داخل معرض القاهرة الدولي للكتاب 55 يأتي الخبر المؤسف عن الممثل محيي إسماعيل.

كان من المفترض أن يوقع الممثل كتابه في المعرض، وحضر إلى القاعة في الميعاد المحدّد ولم يجد الجمهور، فقرر أن يمشي، وهو نفسه الموقف الذي حصل معه قبل سنتين في معرض الكتاب، حينما كان سيشارك في ندوة عنوانها: "200 سنة على ميلاد ديستويفسكي" في قاعة ضيف الشرف بالمعرض، وحينما وصل في الميعاد المحدّد لم يجد أحداً في القاعة، فقرّر أن يمشي.

هل باتت الثقافة ثقيلة على جناح السلطة الطري إلى هذا الحد، أو هل بات الرجل المثقف الفنان ثقيل الظلّ على قلب السلطة، حتى وإن كان في جنون محيي إسماعيل اللطيف، فما بالك لو كانت تلك الندوة مثلاً للفنان سعد الصغيّر، أو لأحمد العوضي كي يذكر سبب انفصاله عن ياسمين عبد العزير، أو للفنانة زينة مثلاً كي ترمي بدلوها في المشكلة التي أدّت إلى انهيار الجنيه المصري وكسر عينه أمام العملات، فلا مانع حينئذ من أن تكون القاعة معدّة بالمساعدة الأمنية وفي كامل جاهزيتها مع عدة "بوكيهات" الورد بالطبع، وخصوصاً إن حضرت ياسمين عبد العزيز مع طاقمها الأمني وحضرت زينة أيضاً. وعلى الطرف الآخر من الجلسة، منعاً للاحتكاك والتصادم.

نحن أمام حالة مربكة ومرتبكة، وليس فيها أي مكان لسليم حسن، أو لحسن سليم، إلا كديكور بعيد لزوم الوجاهة المعقمة ثقافيا بعدما انتهت صلاحيتها في البلاليص القديمة.

هل يتم ذلك كله بفعل فاعل بعد سنواتٍ من تجريف الوعي المتعمّد للناس على مدار سنوات ببرامج "التوك شو"، والمسلسلات المطبوخة ببهارات السلطة جيدا بعد تطفيش محمد جلال عبد القوي وغيره.

لا تنسى أنه في الدورة 55، تتم مناقشة "المشروع السردي للراحل جمال الغيطاني"، ويتم نسيان أو تناسي الكاتب محمد البساطي، مع عبد الحكيم قاسم، ومحمد روميش، ويحيي الطاهر عبد الله، وجميل عطيّة إبراهيم، ومحمد مستجاب، وأمل دنقل، ومحمد عفيفي مطر، وفاروق عبد القادر، وهم من أبناء جيل جمال الغيطاني نفسه، وكلهم أصحاب مواهب كبيرة، نثراً، وشعراً، ونقداً، فكيف جرى طي صفحة كل هؤلاء واستبقت السلطة فقط على مشروع جمال الغيطاني فقط؟ ونوقش ذلك المشروع السردي العجيب للراحل جمال الغيطاني "وفي كل معرض بالطبع مع تسمية بعض الشوارع باسمه؛ وتمّت مناقشة المشروع السردي بالطبع في وجود حسن عبد الموجود، وبالطبع أيضا وفي وجود الناقد والمؤرخ والشاعر وكاتب حوليات الوطن العربي شعرا ونثرا وصاحب ورشة الزيتون شعبان يوسف، وبالطبع في وجود محمد الباز. نحن أمام موائد "شبه سياسية"، معدّة سلفاً، ولا وجود فيها لأي مكان لأيّ مجنون "يهرتل كلمة من هنا أو هناك" كمحيي إسماعيل، أو أي مخالف أو معارض، فهذا زمانٌ قد تم دفنه من سنوات.

حتى الكتّاب الذين اكتفوا بالصمت والحكمة والبعد عن تلك الموائد والزهد فيها بعدما راجعوا أنفسهم، كمحمد المخزنجي، أو محمد المنسي قنديل، فقد تم إخفاء سيرهم تماماً. أما معارضو الخامسة مساء، يوم ويوم حسب توجهات الريح، فقد جرى إدراج أسماء تلك الفئة في موائد الحوار الوطني أو الكتابة في صحيفة الدستور، تحت قيادة محمد الباز، أو في "الوطن"، تحت قيادة محمود مسلم، أو جائزة من هنا أو هناك كجوائز ساويرس أو جوائز معرض الكتاب أو اتحاد الكتّاب، أو جوائز دبي للصحافة أو العمل في الإعداد، بأسماء ثلاثية، أو احترام بقية حمالات إبراهيم عيسى خوفا من الأيام السوداء التي سوف تأتي قريبا.

نحن أمام مساحات ثقافية قد تم حرقها تماماً بالتخويف من الرزق والآتي، بخاصة بعد جنون الدولار وارتفاع سعره فتم لصق حوائط المعرض بجوار مسجد المشير، وبذلك تحصل على ثوابيْن من الزيارة، ثواب المسجد وثواب القضاء على الثورة تماماً ومن جذورها.