محمد صلاح بين البطولتين الأميركية والمصرية
تغيّرت صورة الشهيد المصري البطل وتبدّلت، فكان مرّة مطربًا شعبيًا اسمه أحمد حمادة، ثم شهيدًا سابقًا تبيّن أن اسمه إسلام محمد معتز رشاد، ثم استقرّ على اسم محمد صلاح، فناسب الثلاثة: النظام المصري، والكيان الإسرائيلي، والشعب العربي. الشهيد يركب الخيل المسوّمة، وابتسامتُه ساحرة، وحذاؤه أنيق، فاحتفى به العرب، وأصبح ترندا، وكُتبت فيه قصائد.
في فيلم "هيرو" الأميركي، تقول الصحافية غيل على منصّة استلام جائزة صحافية: إنَّ الحقيقة مثل البصلة، كلما قشرتها ظهرت لك طبقة ثانية منها، تقولها ودموعها من أثر البصل تنهمر، وهو من أجمل مشاهد الفيلم الكوميدي، ويروي قصة بطل محتال اسمه بيرني، أنقذ حياة 54 راكبًا من طائرة ساقطة، وسرق حقيبة الصحافية "الأميرة" التي أنقذها أيضًا! انشغلت البلدية بالركّاب ونسوه، فالتقطه سائق شاحنة اسمه جون، محتال مثله، اطّلع في أثناء رحلة الطريق على قصته، وهو الوحيد الذي صدّقه. انهمك الإعلام الأميركي بعد الحادثة في العثور على المنقذ البطل أيامًا، لتكريمه، وأعلن جائزة قدرها مليون دولار لمن يدلُّ عليه، ولم يظهر لأنّه كان قد سجن بتهمة الاحتيال، فادّعى جون ومعه آيته، وهي فردة حذاء بيرني التي خلّفها وراءه، فتحوّل جون إلى نجم أميركا، وحظي بالمال والشهرة والقداسة، ووقعت الصحافية الحسناء في حبّه أيضًا. تقود حقيبة الصحافية التي وجدتها الشرطة في بيت بيرني إلى جمع البطلين المحتالين، فيتفقان على صفقة؛ أن يستمرّ جون في تمثيل دور البطل المنقذ مقابل تسديد ديون بيرني وتحسين صورته لدى القضاء، فهو لا يريد سوى العنب. الحياة الأميركية مليئة بالفرص، وليست مثل الحياة في مصر التي ليس فيها سوى بطل وحيد هو الرئيس. ينتهي الفيلم وبيرني يقول لابنه: لا تصدّق التلفزيون أبدًا.
قصة هيرو الأميركي الدارويني الكوميدي مختلفة عن قصة المواطن مصري المأساوية المنيّلة بستين نيلة، وهي مأخوذة عن قصة يوسف القعيد "الحرب في برّ مصر"، وموجزها أن ابن العمدة يُطلَب للتجنيد، فيُقترح عليه إرسال دوبلير له. يجد العُمدة فلاحًا فقيرًا يُدعى عبد الموجود ويقنعه بإرسال ابنه مصري ووحيد أمه وأبيه للجندية بدلًا من ابن العمدة مقابل خمسة أفدنة، فيقبل مضطرًا. يستشهد الابن الوحيد، ويأبى العمدة الإقرار ببنوّة الشهيد للفلاح ويغنم المجد والمال، وينتهي الفيلم بأن يقلّب الفلاح يديه وقلبه خاويين على عروشهما.
تغيّرت الحياة كثيرًا في مصر، وقد تنبّأت بالتغيرات أفلام مصرية كثيرة، ولو وازنّا بين البطولتين المصرية والأميركية لوجدنا فروقًا كبيرة بينهما، فمصر تئِد الأبطال، بينما تقسّم البطولة الأميركية على فردين. لنذكُر أن البطل بيرني قال لابنه: لا تصدّق التلفزيون، كيف نصدّق احتلالًا وطنيًا واحتلالًا أجنبيًا عقدا صفقة أيضًا، وهي صفقة بين دولتين وليست بين فردين، وقد اضطرّهما بطل الحدود إلى البحث عنه، مع أنه معلوم يقينًا. إن كان محمد صلاح هو الجندي الذي اخترق السياج مسافة خمسة كيلومترات أو كان غيرُه، فهو بطل، وقد استشهد أو قُتل غيلة. لنذكُر إن ّالصحافية غيل قالت في الفيلم الحافل "بالتوقيعات": الحقيقة مثل البصلة. ولعلّ هذه قشرتها الأولى. قال بيرني: لا تصدّق التلفزيون، وقد صدّقناه لحاجتنا إلى بطلٍ لم نر مثله منذ ثلاثين سنة، بينما تكتظّ السجون والشوارع بالأبطال المغمورين.
مضيت في المقارنة بين بطولتين إلى الفن والأدب، وكان يمكنني أن أذكر براهين على دعواي من الواقع، أحدها غياب شهادات أهل الشهيد، والنظام المصري وإسرائيل من أكذب الدول، وإنّ الصفقة التي جرت بين مصر الرسمية وإسرائيل، بعد أن صعب عليهما إنكار الواقعة، واجتهدت في إسقاط البطولة عن الشهيد رسميًا وشعبيًا أيضًا، وتجريده من فضل الشهيد ولقبه، حسب الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين. قال عمرو أديب: إن إسرائيل تمانع في كشف الحقيقة "وللدولة سياساتها وللمواطنين مشاعرهم". فكانت صفقة زيتنا في دقيقهم؛ أن يدفن "المواطن مصري" من غير تكريم رسمي، وتعزّي مصر بمتوفيي "جيش الدفاع"، ويفرح الشعب بالبطل في حدائق وسائل التواصل. للحذاء في قصة هيرو الهوليودية شأن العلامة والأمارة، أمّا حذاء "الرجل السندريلا" في القصة المصرية فغائب حاضر: إنه جزمة "الرجل الغوريلا" العسكرية.