متلازمة ماري أنطوانيت
تمنّيت لو نُسبتْ إليّ بدعة من بدائع المصطلحات والتسميات، فسارت بين الركبان والمشاة والمارينز، مثل العنوان أعلاه، وماري انطوانيت هي آخر ملكةٍ حكمت فرنسا، وكانت تعرف فنوناً من الرقص والموسيقى والعزف على عدة آلات موسيقية، وتتكلّم الإيطالية والفرنسية والألمانية، وهي اللغات التي كانت تتحدّث بها العائلة الإمبراطورية، وهي صاحبة المقولة الشهيرة "إذا لم يجدوا الخبز، فليأكلوا البسكويت"، وكان الخبز المفقود أحد أسباب قيام الثورة الفرنسية.
أغدقت الصحافة الأوروبية على أسماء الأسد وزوجها الألقاب، مثل لقب زهرة الصحراء، فقد مدحوها وذمّوا سورية، فسورية ليست صحراء، يا كفرة، ودمشق التي أقامت فيها أسماء أنطوانيت وزوجها راحة الحلقوم هي أقدم عاصمة في العالم، وعارضت ماري أنطوانيت السورية ماري أنطوانيت الفرنسية معارضةً نثرية، فأعلنت النصر: "وين كنا ووين صرنا". إنها الخريطة الإدراكية على قول شهير لعبد الوهاب المسيري، ويقابلها في العربية السائرة: العادة والطبع والحال، "وتكبر في عين الصغير صغارها، وتصغر في عين العظيم العظائم".
لم يكن عبد الحليم خدّام يعرف الرقص والموسيقى، ولا يعزف على آلةٍ سوى آلة القمع خدّاماً لحافظ الأسد الذي جعل الشعب السوري يرقص على أنغام الألم والبرد والجوع والرعب، قالوا له مرة، وقد حظوا بلقائه، وكان لقاؤه منية المتمنّي: إنّ الشعب السوري يصرخ من الجوع، فوصف لهم وصفةً طبيةً صحيّة: فليصرخوا في الحمام. ذلك أنّ الموسيقار خدّام كان يبحث عن مواهب الغناء والطرب، بعد أوقات العيادة السياسية. وتقول إحصاءات كوميدية إنَّ مطربين كثيرين اكتشفوا أصواتهم في الحمّام، وسبب ذلك أنّ المرء يُطرَب وهو يغتسل ويتطهّر من الأوساخ والأدران، فيغني طرباً وهو يعزف بالليف والصابون على آلة جسمه الموسيقية، والحمّام يضخّم الصوت ويجهّره تجهيراً. الفرق كبير بين الملكة وخدّام، فقد كان خدّام البعثي فلاحاً يعرف حال الشعب السوري وفضائل الاستحمام ومحاسن الغناء في الحمامات. أما ماري، فكانت أميرةً تظنُّ أنّ الشعب مثلها تماماً، لقد أسأنا الظنَّ بك، يا مس ماري.
إنه نوعٌ من المنطق الظريف، المعبّر عن النفوس وفلتات اللسان، فتلك هي مدركات ماري أنطوانيت، وهي تخاطب الناس على قدر عقلها، لا على قدر عقولهم. وتحفل مسرحية "المتزوجون" لسمير غانم و"شيرين أنطوانيت" بأمثال هذه العبارات الطريفة، والمعبّرة عن حال ناطقها، والمسرحية من أشهر مسرحيات سمير غانم، فعندما ترى شيرين الجزر، تسأل مسعود: "ده الموز بتاعكو؟"، ولم تكن قد رأت الجزر من قبل، مع أنه ثمرة مصرية شعبية، فكيف تعرفه وقد طال شعره حتى تهدّل على كتفيه. والموز فاكهة صامتة خرساء، لكنه يدعو إلى الثورات، ويسبب الانزلاقات الغضروفية والسياسية.
ولناجي جبر معزوفة مشابهة، وهو يدخل على زوجته في مشهدٍ تمثيلي من فاكهة رمضان، فقالت له موبخةً: هذا خيار، فأين الموز؟ فقال لها: هذا موز أخضر، هو أخو الموز بالرضاعة، سوى أنّ الموز أصفر. ولعادل إمام قول شبيه: "الله سايبين الشقة كلها وساكنين في أوضة واحدة"، وهو ما فعله الشعب السوري بالسكن في "أوضة" إدلب. ولحاكم درعا، عاطف نجيب، نزعة بسكويتية، عندما قال لأهل الضحايا الأطفال الثكالى: هاتوا زوجاتكم وننجب لكم أولاداً غيرهم .. هذه تعويضات النظام عن الخسائر البشرية!
لم يكن في نيّتي الحديث عن الموز، ولا عن البسكويت، وهما طعامان طيّبان، وقد احتفل غربيون بالموز وكوّموا تلة من الموز تعاطفاً مع السوريين الذين يكثرون من أكل الموز في المنازح، وتسبّبوا في غضبة أتراك معادين للسوريين. وليتهم تعاطفوا معنا في قصف الكيماوي والبراميل، كما في معركة الموز التركية، فتقنعوا بأقنعةٍ واقيةٍ أو جمعوا براميل فارغة، بل هم قوم يعدلون. وهم رفعوا هرم قشور الموز نكايةً بالترك، وليس حباً بالشعب السوري.
لقد وجدتُ أنَّ منطق حواراتنا في وسائل التواصل يشبه منطق ماري أنطوانيت. نشرت مرة معادلة رياضية تقول: 2 +2 =4، فحصلت على أربعة إعجابات موافقة، وأربعة إعجابات معارضة. وسألني صديق عن فيلم "ريش" وعن المنسحبين الثلاثة من عرضه، احتجاجاً على سمعة مصر الغنية، وهم: شريف منير، وأشرف عبد الباقي، وأحمد رزق، فقلت: انسحب البواسل برهاناً على أنّهم ديوكٌ، فأثبتوا أنّهم فراخ مذعورة.