متطوّعون ووصمة الرفق بالحيوان

10 أكتوبر 2022

(عبد الكريم مجدل بيك)

+ الخط -

ظهرت سيدةٌ خمسينيةٌ ناشطة في مجال الرفق بالحيوان على شاشة قناة أردنية في حلقة خصّصت للبحث في ظاهرة انتشار الكلاب الضالة أو غير المملوكة التي تجوب الشوارع والأحياء السكنية، وما صاحبها من شكاوى، جديدها عقر كلاب ضالّة مسعورة ثمانية أشخاص في شمال المملكة، لتتحدّث بفخر وغبطةٍ عمّا حباها الله من صفات الرحمة والشفقة والتعاطف، وعن  مساهمتها الشخصية ضمن إمكاناتها المحدودة في رعاية الحيوانات الضالّة من كلاب وقطط هائمة على وجهها في الشوارع بلا مأوى، جائعة عطشى، وعن سعيها إلى إيجاد مأوى لها، في حين تقتلها الجهات الرسمية بواسطة السم أو القنص حلاً سريعاً جذرياً لتكاثرها، وهو حل غير أخلاقي ولا إنساني، غير أنه قليل الكلفة، مقارنةً مع حلول مختلفة، توصلت إليها بلاد أخرى من تعقيم وتلقيح وتأسيس ملاجئ وإقامة حظائر، وحثّ الناس وتوعيتهم بأهمية الرفق بالحيوان سلوكاً إنسانياً يدلل على مدى حضارية أي مجتمع، فيما تجد المنظمات الأهلية وأعضاؤها من المتطوّعين المدافعين عن حقوق الحيوان أنفسهم عاجزين عن حماية تلك المخلوقات المسكينة من القتل والتعذيب والإبادة، رغم جهودهم المشكورة في إطلاق حملات إطعام ما أمكن من الحيوانات وتلقيحها. 
كانت السيدة الفاضلة حسنة النيات تظنّ أنها تقوم بتوعية الجمهور بأهمية الإشفاق على هذه الكائنات، انسجاماً مع تعاليم الرأفة التي نصّت عليها الشرائع السماوية، ومع الفطرة الإنسانية المجبولة على فعل الخير كما يفترض. وعوضاً عن الإشادة بطيبتها وكرم أخلاقها، تعرّضت السيدة لحملة تنمّر شرسة غير مسبوقة، وقد وجّهت إليها التهم بالكذب والاستفادة من التمويل الأجنبي والترف والفراغ النفسي، ولأنها متقدّمة في السن نسبياً، تطاول عليها السفهاء مثل العادة، واصفين إياها بالعجوز الشمطاء والبرجوازية المدّعية التي لا تشعر بمعاناة الفقراء، وكأن الإشفاق على تلك المخلوقات يتعارض، من حيث المبدأ، مع الإحساس مع الفقراء. تعليقات وردود أفعال صادمة تُثير الرعب والتقزّز من كمية الشر المتأصلة في نفوس بعضهم، ممن يتوهّمون أن الكرة الأرضية حقّ وامتياز حصري لبني البشر يحقّ لهم العبث بها، واستنفاد مواردها والتحكّم بمقدّراتها من دون التفاتٍ لحاجات سائر المخلوقات وحقها في الوجود، غير أن ذلك لا يبدو مستغرباً في مجتمعات أنانية محدودة الأفق بُنيت ثقافتها على أوهام التفوّق والتفرّد والأفضلية، وفي انقلاب للمفاهيم والمعايير الأخلاقية أصبحت الرأفة بالحيوان تهمة ووصمة وتنكّراً لمعاناة الفقراء المحرومين، وأصبح النشطاء في حقل رعاية الحيوان أعداء للمجتمع الفاضل العفيف الطاهر، وباتت المناداة بقتل الحيوانات بلا رأفة تعبيراً عن وطنية وانتماء وغيرة على مصالح الوطن العليا!
تتحمّل عدة جهات مسؤولية المعاملة القاسية التي تتعرّض لها الحيوانات في بلادنا، أولاها الجهات الرسمية التي تشكو من ازدياد أعداد تلك الكلاب، والعاجزة عن التصدّي بأسلوب حضاري لتكاثرها، تحت ذريعة العجز المالي، وكذلك وسائل الإعلام التي تعمل على تحريض المجموع على المضي في عمليات الإبادة الممنهجة، بدل توعية المواطن بسبل رعاية الحيوان وتوفير بيئة آمنة له، وتربية الأطفال على حبها والرأفة بها، تهذيباً لنفوسهم وتنشئتهم على قيم العطف والمحبّة. باتت ظاهرة انتشار الكلاب قضية شائكة في الأردن، وهي مشكلة حقيقية تتراوح بين تهديد التوازن البيئي ومعالجة مخاوف المواطن من التعرّض للأذى، وقد بقيت من دون حل ناجز.
وكي نحمي إنسانيتنا وتصالحنا مع أنفسنا لا بدّ من تضافر الجهود لحماية الأفراد، وفي الوقت نفسه إعادة النظر في تعاطينا مع تلك المخلوقات الضعيفة، باعتبارها من أبناء الطبيعة، مثلنا تماماً. ولها حقٌّ فيها غير قابل للنقاش. علينا احترام ذلك، لا سيما أنها توجد عادة في أماكن نائية غير مأهولة، ليس من المنطق أو العدل أو الرحمة أن تقتل بوحشية، ثمناً للامتداد العمراني الذي اقترفناه، ووصل إلى موطنها في الخلاء، وهذا هو الاعتداء الحقيقي الذي يجب أن نتصدّى له.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.