مترجم يكتشف أخطاء المؤلف
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
أقيمت ندوة، أخيرا، في مسقط، شاركت فيها الناشرة رنا سهيل إدريس والروائيون الحبيب السالمي وطارق إمام وإنعام كجه جي وسعود السنعوسي، والمترجمة ماري طوق، فضلاً عن كتّاب عُمانيين. استوقفتني ورقة ألقتها المترجمة العُمانية المتميّزة، زوينة آل توية، التي سبق أن ترجمت مجموعة من الكتب، من أهمها رواية "هامنت" للأيرلندية ماغي أوفارل، وفيها تلج العالم النفسي لشكسبير، إذ تحضر في الرواية زوجته والابن الذي فجع شكسبير بوفاته المبكرة، ورواية هرمان ملفل "بارتلبي النساخ"، وهي رواية مجهولة لصاحب الرواية الشهيرة "موبي ديك"، وقد أتقنت المترجمة تقريب عالمها المعقّد إلى القارئ العربي، ورواية "ما رأيكم في شكلي الآن" للأسترالية رندة عبد الفتاح، عن فتاة مسلمة تعاني من العنصرية في أستراليا، حين قرّرت الالتزام بالحجاب، ورواية "عمدة كاستربردج: قصة رجل محترم" للبريطاني الكلاسيكي، توماس هاردي، تتناول قصة رجلٍ تأرجحت حياته بين النعمة والشقاء، ورواية "مائدة القط" للكندي، مايكل أونداتجي، صاحب رائعة "المريض الإنكليزي" التي ترجمها إلى العربية الشاعر سعدي يوسف، روايات عديدة ترجمتها زوينة، يضاف كذلك ترجمتها أخيرا كتاب "الجسد في الغزل العذري" للعُمانية جوخة الحارثي.
جاء في ورقة زوينة: "في أثناء ترجمتي كتاب 'وحده الحالم يصحو' للبلغارية - الأميركية ماريَّا پوپوڤا، لاحظتُ في إحدى الصفحات خَلْطًا وقعت فيه الكاتبة بين مؤلِّفَي قصَّتَي 'العندليب والوردة' و'العندليب'، فَنَسَبتْ الأولى إلى هانز أندرسن والثانية إلى أوسكار وايلد، في حين أنّ العكس هو الصحيح". خطأ شبيه اكتشفته المترجمة في رواية "الجنّة" لليابانية، مييكو كاواكامي، التي ترجمتها عن الإنكليزية (لغة وسيطة)، فات المؤلف وأيضاً المترجمين الأميركيين. واكتفت المترجمة بالإشارة إلى الأخطاء الطفيفة في الهامش: "كتبتُ هامشًا لتوضيح اللَّبس وكفى. تركتُ الخلط على حاله، لكنني نبَّهتُ القارئ إليه".
يدلّل مثل هذا الانتباه على الحرص والحذر، كما يدلّل، بدرجة أولى، على خطورة الترجمة وموقع مسؤولية المترجم منها. كما يوضح لنا أن الحرص لا يتعلق فقط بالترجمة المباشرة، بل حتى بالترجمة الوسيطة، وهو ما يذكّرنا بالشقاء الذي كان يعاني منه سامي الدروبي، مترجم دوستويفسكي (عن الفرنسية)، فكما صرحت ابنته كان الراحل الكبير ينام وفي نفسه شيء "من حتّى" دوستويفسكي، بلغة النحويين.
وبالعودة إلى المترجمة العُمانية زوينة آل توية، قالت إنها في أثناء ترجمتها رواية "الهدية الأخيرة" للكاتب الحائز جائزة نوبل للآداب، عبد الرزاق قرنح، تعرّفَت إلى شخصٍ قريبٍ من المؤلف، الأمر الذي كان له الفضل في تبيان ما التبس عليها في النصّ الأصلي... لا شك في أن أي كتاب لا يخلو من الأخطاء، مهما بلغ الحرص في تعديله. لكن هذه الأخطاء، وإن بدت عابرة وبسيطة، فهي تكون غالبًا في سياق المعلومة. وإذا تحدّثنا عن الأخطاء الطفيفة للمؤلف الأصلي، ماذا نقول عن أخطاء المترجم العربي؟
أتذكر مرّة، سألت الشاعر والمترجم المغربي إدريس الملياني (78 عاماً)، عن سبب إعادة ترجمته بعض روايات دوستويفسكي مثل "الليالي البيضاء" و"ذكريات من منزل الأموات" وغيرهما، وهي روايات سبق أن وصلت إلينا بترجمة الدروبي، أجابني بأن الدروبي حين يترجم ينسى أسلوب الكاتب الأصلي، ويستخدم الأسلوب العربي. وذكر لي الملياني أمثلةً من قبيل أن الروس لا يكرّرون المعاني كما يفعل العرب، مثلاً لا يقولون هذا جميل ورائع، أو كبير وضخم ، أو إنسان بسيط ومتواضع. نستخدم هذه الأمور في العربية ولا توجد في الروسية، لأنهم يكتفون بالصفة، من دون تأكيدها بما يشبهها، كما يحدُث في لغة الضاد. لا يمكنني التعليق على هذا الأمر، وربما خيراً فعل الملياني بإعادة بعض أعمال صاحب "الجريمة والعقاب" وإنعاشها، ولكن المترجم، وربما هكذا كان يفكر سامي الدروبي، كان يراعي القرّاء العرب أكثر من مراعاته حرفية المعنى، طالما أنه لم يأتِ بمترادفاتٍ تحرف المعنى الأصلي، بقدر ما تجتهد إلى تأكيده. وقد كان ما ترجمه الملياني أيضًا جميلًا، فمن يقرأ مثلًا "الليالي البيضاء" وأعمالا أخرى لدوستويفسكي يشعر بمتعة متجدّدة، وهذا ما حدث لكاتب هذه السطور حين قرأ إحدى ترجماته لدوستويفسكي ذات ظهيرة في القطار الذاهب من الرباط إلى فاس... يترك الملياني لمساته الشعرية في ما يترجم عن الروسية.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية