ما لا نعرفه عن أحمد بن ماجد
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
حين يؤتى على ذكر البحّار الكبير أحمد بن ماجد، غالباً ما يُستحضر أمرٌ أظنّه غير مفيد، لأنه غير مُثبت، وهو: هل ابن ماجد هو الذي دلّ فاسكو دي غاما على اكتشاف رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي أدّى إلى كوارث اقتصادية كبيرة للعالم العربي ليس المجال لتفصيلها، أم أن الأمر، كما تذكر بعض المصادر، لا دخل للبحّار الشهير فيه؟ ما يمكن أن يلفت أكثر في كتبه أمر جمالي يتعلق بأدبية ابن ماجد وغزارة مادّته الأدبية في ما ترك من كتبٍ علمية الطابع، وأهمها "الفوائد في معرفة علم البحر والقواعد" حيث يقف القارئ أمام كتاب (أو حاوية) قدّم فيها العلم بطريقة ومنهج أدبي تدلّان على علو كعب ابن ماجد، ليس فقط في علم البحار، حيث كان سيّد البحر الهندي، بل يتلمّس القارئ كذلك موسوعيّته في الإحاطة بالأدب العربي ومختلف صنوفه. وهو كتابٌ توجد نسخة محفوظة منه في مكتبة الكونغرس في الولايات المتحدة، ونسخة أخرى في فرنسا بخط اليد. يبدأ الكتاب بمقدّمة نثرية وافيه عن علم البحار، وأول من بنى سفينة، وهو النبي نوح، متبوعاً بأراجيز شعرية تتوالى على طول مساحة المخطوط. وهو في ذلك كله يتبع منهجاً "تتابعياً"، حيث يبدأ بالحديث عن فضل العلم، على سبيل المثال من العبارات التي كتبها، عبارة سبق أن قرأتُها منسوبة إلى الإمام الشافعي، "العلم فحل، لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك"، تدلل على سعة ذاكرة المؤلف، وهو يعرّفنا بتفاصيل ما توصل فيه من اكتشافاتٍ بحريةٍ أطلق عليها الفوائد. يفسّر العنوان، بوصفه عتبة، كذلك البعد النفعي لهذا الكتاب. اعتمد في شرحه (العلمي) على طريقتين: التجربة والأدب. فبحسبه "ما من علم قبيح إلا والجهلُ به أقبح"، كما جاء في تقديم كتابه. ويقول في عبارة أخرى تنمّ عن المعرفة المقرونة بالتجربة "علمٌ نفيسٌ لا يتم إلا بتمام العمر".
ويعدّ تقديم العلم الدقيق بطريقة أدبية صرفة بادرة انتهجها ابن ماجد، فهو في كل حديث علمي لا يني أن يرفده بحادثةٍ تاريخية أو بيت شعري قديم. وإذا تعذّر ذلك، فإنه يؤلف بيتاً أو أبياتاً من عنده، كما نرى، مثلاً، حين يتحدّث عن المغناطيس، حيث نراه فجأة يورد لنا هذا البيت الغزلي من تأليفه، مسبوقاً بعبارة "ومما قاله شهاب الدين أحمد بن ماجد في المغناطيس": "ديارك مغناطيس رجليّ إن مشيت/ وشخصك مغناطيس قلبي وخاطري". وفي حديثه عن نجم الثريا، بعد أن يوسع (علمياً) الشرح فيه، نراه يذكر قصة من التراث العربي القديم، عن الشاعر عمر بن أبي ربيعة، إذ يقول: "عندما تزوج سهيل بثريا القرشية نظم ابن أبي ربيعة شعراً قال فيه: أيها المنكح الثريا سهيلاً، عمرك الله كيف يلتقيان. هي شامية إذا ما استقلّت، وسهيل إذا ما استقل يماني. وقد كان ابن أبي ربيعة يهواها ويراسلها من مكّة".
وثمّة غير هذه الأمثلة، يقف فيها القارئ أمام الموسوعية الأدبية لشيخ البحار، حيث ترد أبيات لشعراء عديدين، كأبي نواس، ومقولات أدبية للأصمعي وغيرها كثير. ثم ينتقل إلى الأراجيز التي نرى فيها حديثاً جغرافياً موسّعاً. وهو حين قدّم مادته العلمية على طريقة أبيات أدبية، كان يقصد أن يُثبت لنا رسالة مهمة، نستفيد منها عبر العصور، وهي أنه من المهم أن يُقدّم العلم بطريقة أدبية، وذلك كي يخفّف من جفاف المادة العلمية. كذلك فإن العلم لا ينفصم عن الأدب عنده، فرغم أن مادّته في علم البحار، لو قدمت دون هذه الطريقة المليحة، لاكتست كساءً جافاً منفراً. ويؤكد ذلك لاحقاً، حتى حين اختار الأراجيز الشعرية قالباً لتقديم مادّته العلمية، التي جاءت في إهاب شعري مقفى وموزون، اشتملت بدورها على أخبار ومقولات. ونلحظ في الكتاب أيضاً إتقان ابن ماجد مجموعة من اللغات، حيث إنه أحياناً يورد أبياتاً سمعها بالفارسية، ثم عرّبها، أو مفردات كانت تُنطق بلهجات مختلفة قام بتفصيحها.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية