ما بعد الصدمة

11 ابريل 2021
+ الخط -

بين ضعف الرواية الرسمية وذهول الشارع الأردني حيال ما حملته الأيام الماضية من أنباء، يمكن الجزم أن الحدث جلل، وأكبر مما يستوعبه شعبٌ لم يألف مثل هذه الخطوب طوال عمر الدولة الأردنية.. هذا الشعور هو السائد في الشارع الذي يهيمن عليه الوجوم؛ فللمرة الأولى تصل خيوط القضية إلى أمير في الأسرة المالكة التي عرف عنها التماسك، والخضوع لولي الأمر ومؤازرته، وعدم الخروج على سياساته، مهما بدت أحيانًا غير مقنعة، وتدور نقاشاتها الداخلية في إطار حصين من السرية والكتمان، غير أن التهم المتبادلة على الملأ بين الأمير حمزة والأجهزة التنفيذية، العسكرية منها والمدنية، التي تمثل الملك في نهاية المطاف، خرجت إلى العلن هذه المرّة، سواء في اتهاماتٍ رسمية أعلنتها الحكومة، أو في ردّ الأمير عليها تسجيلات مصورة وصوتية.

هكذا تبدو الصورة التي لم تتضح معالمها بعد، والتي يبدو أنها مفتوحةٌ على مزيد من الاحتمالات، سيما بعد اكتمال التحقيقات التي تتحدّث عنها الجهات الرسمية، بينما ينتظر آخرون مزيدًا من التوضيحات من الرواية المقابلة التي لم يُسمع منها سوى ما أدلى به الأمير حمزة بن الحسين على عجالة. غير أن ما يلفت الانتباه في الروايتين المتضادّتين أنهما خلتا من مصطلح "الانقلاب"، وهو ما طمأن الشاع الأردني بعض الشيء؛ لأن هذا المصطلح كريه في حساباته، ويرفضه جملة وتفصيلًا، فلا الحكومة أوردته في اتهاماتها، ولا الأمير ذكره في ردّه على الرواية الرسمية، وهو ما يمنح هذه الرواية بعض المصداقية.

والحال أن الاتهامات التي وردت في البيان الحكومي الذي أعلنها وزير الخارجية، أيمن الصفدي، ضد "المتآمرين"، لم تتعدّ "زعزعة الاستقرار". ومعروفٌ أن هذا المصطلح سائل وفضفاض، وكثيرًا ما يستخدم، هو وما يرادفه من مصطلحات على غرار "تعكير صفو العلاقات"، و"تهديد السلم المجتمعي"، وما إلى ذلك ضد المعارضات والحراكات المحلية، وقد حوكم كثيرون تحت مثل هذه البنود. ولو سحبت هذه الاتهامات على المتهمين في هذه القضية، لما اعتبر أصحابها أزيد من معارضي سياسات، وليس في هذا ما يدينهم، لأن حق التعبير مكفولٌ في الدستور، بينما سقطت الرواية الرسمية في مطبٍّ آخر عندما أوردت عبارة "ما يسمّى بمعارضي الخارج". وقد حاول رئيس مجلس الأعيان، فيصل الفايز، رتق هذا الخلل، عندما اعترف بالخطأ الحكومي، وقال إنه ليس هناك معارضون في الخارج، بل كل المعارضة في الداخل، واستطاع النظام أن يحتويها من أطياف قومية وبعثية وسواهما، ولم يوضح كيف جرى هذا "الاحتواء". بالتأكيد لم يكن احتواء سياسيًّا، بدليل التهميش الحكومي للأحزاب كلها، حتى من يحمل منها الأفكار التي تحدث عنها الفايز. وكل ما فعلته الحكومة أنها قدّمت الجزرة أحيانًا لبعض رموز هذه الأيديولوجيات، ومنحتهم مناصب وزارية لقاء تخليهم عن أيديولوجياتهم وأحزابهم، فضلًا عن "معارضاتهم" تحصيل حاصل، بعد أن قبلوا الانخراط في النهج الرسمي.

ما حدث أمر جلل، إذا نظرنا إليه من شقوق الفزع والخوف، غير أنه يحمل رسائل إلى طرفي المعادلة: الحاكم والمحكوم، أولها أن الإصلاح بات مطلبًا ضروريًّا وسط هذه الأزمات التي تعصف بالأردن، وبأن دائرة المطالبين به لم تعد تقتصر على فئاتٍ شعبيةٍ عريضة، بل يتبنّاها أعضاء في الأسرة الحاكمة أيضًا. ويحسُن بولاة الأمر أخذ هذه المطالب على نحو جدّي، وأن يدعوا جانبًا لغة التخوين والتشكيك بكل من يعارضهم في رأي أو سياسة ما، لأن هدف الخروج من هذه الأزمات يتقاسمه الطرفان، ولا يحول دون تحقيقه غير المصارحة والمكاشفة وعلاج أمراض الفساد والترهّل الإداري معالجة حاسمة ودقيقة، والعدالة في توزيع الفرص، والمشاركة الحقيقية في صنع القرار.

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.