مارادونا وماركيز وأبو بكر سالم
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
أسطورة البساطة والتعدّد والحرية تجمع بين مارادونا وماركيز وأبو بكر سالم؛ فحين رحل أسطورة المستديرة وساحرها، مارادونا، كتب الصديق أنيس الرافعي في صفحته في فيسبوك، "كان مارادونا ماركيز كرة القدم، مثلما كان ماركيز مارادونا الرواية". أثبت أمرا طالما شعرت به، وهو أنه إذا كان ماركيز ساحر الرواية العالمية، فإن مارادونا يشبهه في كرة القدم، ففائض الموهبة الذي يمتلكه ماركيز، والذي تبدى بصورة مدهشة في رائعته "مائة عام من العزلة"، لم يكن سوى نتاج حياة مديدة، وصهر لتجربته الشخصية وقراءاته في ميدان اللعب المتاح. لا يمكن أن تفصل حياة ماركيز عن تجربته، كما لا يمكن أن تفصل قراءاته عنها. قال مرة إنه يقرأ للآخرين كي يتعرف على الخلطة السحرية، أو على طريقة كتاباتهم. كما أن تأثير قراءته "ألف ليلة وليلة" (الليالي العربية، كما ترجمه الفرنسي أنطوان غالان في أوائل القرن الثامن عشر) واضح جدا في "مائة عام من العزلة"، فوصفه مثلا أسلوب حياة الغجر ومواقف سحرية كثيرة، وأولئك الذين يطيرون في بساط سحري، وكذلك الطفل الذي يتسلّل إلى مكتبة البيت، ليتعرّف على كتابٍ محجوبٍ عن الأطفال، لم يكن في حقيقته سوى الطفل ماركيز نفسه، كما رأيناه، لاحقا، وهو يتحدّث عن حياته في كتابه البيوغرافي "عشت لأروي"، حين كان يتسلل صغيرا إلى مكتبة بيتهم، ليقرأ الكتاب الخالد.
لا نحتاج كثيرا لنتحدّث عن علو كعب مارادونا الكروي، والذي أهله لأن يحتل مركز الأسطورة في المخيال العالمي، إلى درجة أن رؤساء دول أرسلوا برقيات تعزية في وفاته. حدث الأمر نفسه لماركيز، حين ملأت واجهات الصحف صوره عند موته. وقد رأيت ثلاث صحف هندية تصدّر أغلفتها بصورته، كما كتبت عنه شخصيات كثيرة، منهم بيل كلينتون وباراك أوباما.
أما البساطة التي تجمع ماركيز ومارادونا فنتبينها بسهولة في حياتهما. ماركيز الذي عاش صحافيا متنقلا، وقد عانى من شظف العيش بداية حياته، حتى أنه لم يجد المال الكافي لإرسال مخطوط "مائة عام من العزلة" إلى الناشر، فاضطر أن يرسلها على دفعتين. ومارادونا الذي كانت قصارى أحلامه أن يبني شقة لعائلته، كي يبعدهم عن حياة مدن الصفيح الفقيرة. وبعد أن نال اثناهما نصيبا من الشهرة والمال، لم يرتفعا كثيرا عن أرض الواقع. وكان خير مثال أن يجمعهما الرئيس الأممي كاسترو. كما كان مارادونا صديقا لقضايا الشعوب، ولن ننسى اللافتة التي رفعها في دبي عن الحق الفلسطيني، وغيرها من مواقف له تدل على اندغامه مع الإنسان والبساطة. هناك كذلك الحرية الواثقة باللعب والكتابة والغناء.
أما الفنان اليمني أبو بكر سالم، فقد أبهر مستمعيه، وما زال، بطريقته في اللعب والسحر وتقليب صوته بحريّة واثقة "كما الريشة"، حين يحرك لسانه من نبرة إلى أخرى. كما يفعل ماركيز في أسلوبه السحري المبهر، وكما يفعل مارادونا في عالم المستديرة؛ يلعب أبو بكر سالم بأوتار صوته. من يسمع أغانيه يلاحظ هذا اللعب الماهر العجيب، كأننا إزاء أكثر من مغن، أو مغن واحد يطلق صوته بأعمار متفاوتة دفعة واحدة، تماما كما فعل مارادونا وماركيز، وهما يلعبان بالكرة والكلمات. كان هذا التعدّد واضحا في المواهب الثلاث، وإن انتمى اثنان منها إلى أميركا اللاتينية، والثالث إلى شبه الجزيرة العربية.
عُرف أيضا أبو بكر سالم ببساطته، فلا يُنسى حديثه عن تأثره بالفن العُماني الصوري. ويمكن استشفاف بساطته كذلك من رفقته الفنان اليمني، كرامة مرسال، حتى آخر عمره، وحضوره أحيانا مستمعا ومشجعا له، وفاءً لصداقة قديمة بينهما. وفي الحديث عن أبو بكر سالم، لا يمكن عدم الانتباه إلى علاقته الطويلة والعضوية بالشاعر الصوفي والملحن الفطري الحضرمي (من مواليد مدينة الشحر)، حسين أبو بكر المحضار، الذي كتب ولحّن الجزء الأوفر من أعمال أبو بكر سالم، معتمدا في ذلك على موهبته وفراسته النادرة، وعلى علبة أعواد الثقاب (المقشقط) التي كان يترنم بها، وهو يبتكر ألحانه العجيبة، من دون أن يستعين بأي آلة. أغاني أبو بكر مسنودةٌ بكلمات المحضار وألحانه، جلبت له جمهورا متجدّدا لا ينفد، فأبو بكر لا يقلد أحدا حين يغنّي، ولكنّ فنانين كثيرين مبتدئين، وحتى متحققين، يحاولون تقليده ومجاراته، ولكن بوتر صوتي واحد في الغالب، وليس بتلك الطريقة العجيبة في اللعب بالأوتار الحلقية. وقد حاكى العازف التركي، آيتاش دوغان، أغنية "سر حبي فيك غامض" التي كتب كلماتها ولحنها حسين المحضار وغنّاها أبو بكر سالم.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية