مؤامرات سياسية على ثورة يناير

14 فبراير 2022
+ الخط -

واجه الشعب المصري كله، وليس ثوار يناير وحدهم، مؤامرةً منظمةً ومدروسةً لإفشال الثورة. جرت في مسارات متوازية يخدم كل منها الآخر، قبل أن تتقاطع معاً في ساعة الصفر (30 يونيو/ حزيران 2013). تركز المسار الأول لتلك المؤامرة في سياسة "فرِّق تسُد"، إذ بدأت محاولات تصفية الثورة وتحويل مسارها مبكراً جداً، باجتماع عمر سليمان (مدير المخابرات العامة وقتئذ والمقرّب من حسني مبارك) مع بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين قبل أيام قليلة من تنحّي مبارك. واقترح سليمان حينئذ إنهاء الموقف بصفقة بين النظام والجماعة، قوامها توسيع هامش التمثيل السياسي عبر تغيير الحكومة وتخصيص عدد من الحقائب الوزارية للجماعة. 
وبعد تنحّي مبارك في 11 فبراير/ شباط 2011، انتقل التآمر على ثورة يناير إلى مرحلة أخرى. جرى خلالها العمل بحنكة وروية على تفتيت الكيانات الثورية وتخريب العلاقات بينها، من خلال استبعاد بعضها أو تجاهله، واستدراج بعض آخر (تحديداً جماعة الإخوان المسلمين) إلى مساحة توافق وتفاهمات مصلحية مع المؤسسة العسكرية التي كانت تدير البلاد. كما أسست الأجهزة الأمنية أحزابا وكياناتٍ تحمل مسمّيات ثورية، بينما هدفها تفتيت الصف الثوري والابتعاد عن المطالب الأساسية بتغيير النظام.
إلى جانب ذلك المسار التآمري التنظيمي، كان هناك مسار التآمر القانوني، وهو المتعلق بالأطر الدستورية والقانونية التي استخدمت في إدارة تلك المرحلة وتطويعها بما يخدم هدفاً جوهرياً، هو توجيه مسار الثورة بعيداً عن تأسيس نظام سياسي جديد. بل واتخاذ خطواتٍ محدّدة ومتسلسلة، للحفاظ على الوضع النهائي داخل الدائرة الجهنمية نفسها التي تدور فيها الحياة السياسية المصرية منذ عام 1952. وكان ذلك واضحاً في وضع الإعلان الدستوري الأول الذي جاء انتقائياً، فلم يُلغ الدستور القائم، وإنما أبقى منه على بنود محدّدة وتجاهل بقيته. ثم تكرّر الأمر بصورة أكثر فجاجة في استفتاء 19 مارس الذي تم تصميمه لتوجيه المسار السياسي قسراً نحو انتخاباتٍ رئاسيةٍ، وليس نحو إعداد دستور جديد حسب الترتيب الصحيح المفترض لبناء نظام سياسي جديد بحق. وكان ذلك الاستفتاء تجسيداً مبكّراً للتفاهمات بين "الإخوان" والمؤسسة العسكرية، والذي تجلى لاحقاً في محطات كثيرة، تبنّى فيها "الإخوان" موقف مؤسسات وأجهزة الدولة المصرية ومنطقها. من أشهرها الموقف المتخاذل للتنظيم إزاء الأحداث الأمنية المفتعلة (محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو.. إلخ).
وانكشف مزيد من جوانب المؤامرة على المسار السياسي لثورة يناير، في حل المجلس العسكري (الحاكم في ذلك الوقت) البرلمان المصري عشية تولي محمد مرسي مقاليد الرئاسة. وذلك لتجريد المشهد من الغطاء البرلماني، ووضع الرئاسة في مواجهة الثورة المضادّة وكل التحديات والفخاخ التي توالت عليه لاحقاً. كما كان لغياب البرلمان ضرورة لاحقة عند إطاحة مرسي، إذ تم التذرّع بالفراغين، السياسي والمؤسّسي، وأمكن بالتبعية إيقاف العمل بالدستور، وإعادة تشكيل المشهد كاملاً على مستوى الحكم. 
في مسار ثالث، جرت عملية تحضير وتحريض منظمة، لكي ينتفض الشعب المصري ضد مرسي. بدأت العملية بطعن في قدراته والاستهزاء بشخصه، ثم ممارسة ضغوط اقتصادية وحياتية شديدة على المصريين، شملت مشكلات انقطاع الكهرباء وإنقاص إمدادات الوقود والخبز والسلع الأساسية. وبمرور أشهر قليلة بعد تولي محمد مرسي، صار المشهد مُهيأً لحملة "تمرّد" التي اتضح لاحقاً أنها بتخطيط داخلي وتمويل خارجي، ومرحلة أكثر تقدّماً في المسار السياسي للتآمر على ثورة يناير، حيث أصبحت "تمرّد" رأس حربة الثورة المضادّة، وعنواناً للحشد والتحريض ضد محمد مرسي في الظاهر، وضد ثورة يناير في الجوهر.
وفي 30 يونيو/ حزيران 2013، وصلت تلك المسارات إلى ذروتها، وتقاطعت معاً لتشكل في عصر 3 يوليو المشهد الختامي، فتم نسف الإنجاز الأهم لثورة يناير، بإسقاط واعتقال أول رئيس مدني منتخب، جاء بفضل ثورة شعبية، وليس محمولاً على دبابة.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.