لوكاشينكو حليف روسيا وهاجسها

21 يناير 2023
+ الخط -

يتردّد اسم بيلاروسيا بكثرة في الفترة الحالية، سواء من خلال الأنباء التي تتوالى عن تدريبات مشتركة بين جيشها والجيش الروسي، أو بفعل المواقف التهديدية المتصاعدة ضد أوكرانيا، وصولاً إلى إبداء رئيسها ألكسندر لوكاشينكو استعداده لفعل ما تطلبه موسكو، وتكون مينسك "قادرة على تنفيذه". لا خيار فعلياً أمام لوكاشينكو، تماماً كما حصل مع بدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي: تأمره روسيا وتتجاوزه وتستخدم أراضي بلاده لتطويق العاصمة الأوكرانية كييف، وهو يرتضي ذلك. لا حليف له غيرها فعلياً. العقوبات الأوروبية المتفاقمة عليه، خصوصاً بعد إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية التي أُجريت في أغسطس/ آب 2020، تجعله في موقع اضطراري لا اختياري. مع العلم أن الخيار هنا يبدأ من احترام إرادة الناخبين، وعدم تعديل الدستور من أجل شخصه، وعدم قمع المعارضين وتصفية آخرين بعد خطفهم بحجج واهية، قبل القول إن "الغرب يريد رأس بيلاروسيا".

"الديكتاتور الأخير في أوروبا"، وفقاً لتصنيف دول غربي القارّة، وجد نفسَه في موقع مثالي بالنسبة لروسيا: رئيس دولة غير قادر على نسج علاقات مع الغرب، يحتاج إلى موسكو أكثر مما تحتاج هي إليه، خصوصاً أنها تعتمده مثالاً لتطبيق هيمنتها على الدول التي كانت يوماً ما جزءاً من فلك سوفييتي واسع، انطلاقاً من نموذج سيطرة روسيا على مينسك. لم تكن علاقة الطرفين مثالية دائماً، خصوصاً أن لوكاشينكو تصادم مع الكرملين في رئاسيات 2020، واعتقل 33 شخصاً من مرتزقة "فاغنر"، متهماً موسكو بإرسالهم لهزيمته في الانتخابات. كما سبق له أن ألمح مراراً إلى رغبته في إقامة دولة مستقلة والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، غير أن ذلك كله بات من الماضي، مع تحويل روسيا بيلاروسيا إلى ساحة انطلاق في غزو أوكرانيا.

هذه الـ"بيلاروسيا" هي ما ترغب روسيا في تعميمه على كل الدول السوفييتية السابقة، فلو كان رؤساء أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي أو فيكتور يوتشنكو أو ليونيد كوتشما أو بيترو بوروشينكو وغيرهم، استنساخاً مثالياً لبيلاروسيا، لكان فيكتور يانوكوفيتش "قومياً أوكرانياً" أكثر من أقرانه. ولو أن روسيا نجحت في نشر ثقافة بيلاروسيا في أوكرانيا، لتحوّلت، هي الأخرى، إلى جدار لتلقّي الضربات عن موسكو. ما نجح في بيلاروسيا لم ينجح في أوكرانيا، وقد يكون السبب شخصية لوكاشينكو المتقلّبة والمحدودة أمام الروس.

لم يكن لوكاشينكو مشروع رئاسة أصلاً في بيلاروسيا. جدّته لأمه أوكرانية من قرية في مقاطعة سومي في شمال شرقي أوكرانيا. ينسبه مطلّعون على سيرته إلى الغجر، من دون أن يؤكّد هو ذلك أو ينفيه. انتسب إلى جيش الاتحاد السوفييتي بعمر الـ21، وصعد في صفوف الحزب الشيوعي، وبات مسؤولاً عن إحدى المزارع الجماعية "كولخوز"، قبل أن يتحوّل إلى رئاسة بيلاروسيا، بموجب انتخابات حرّة ونزيهة، كانت الوحيدة في تاريخ البلاد، ما بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي في عام 1991. لاحقاً عدّل لوكاشينكو الدستور مراراً، سامحاً لنفسه بالمشاركة بالانتخابات الرئاسية وتمديد ولاياته في السلطة.

كل شيء سيتغير بالنسبة للوكاشينكو. أيامه في السلطة لن تبقى كما هي، وحلمه في البقاء على رأس الهرم في مينسك سيتحوّل إلى كابوس. عسكرياً، ليس الجيش البيلاروسي قوياً بما يكفي لإسناد روسيا بعديد جنوده (نحو 62 ألف جندي عامل و350 ألفاً من الاحتياط)، ولا قادراً على تغطية أرضه (207595 كيلومتراً مربعاً). لا يحتاج المرء إلى تفكير كثير، لإدراك أن بيلاروسيا غير قادرة على التحرّر من الحاجة الروسية إليها. أيضاً، غنيّ عن التأكيد أن كل هذه المعطيات تقرّب المشاركة البيلاروسية في الحرب الأوكرانية، غير أن لوكاشينكو أمسك بورقة متقلّبة: "أوكرانيا تقاوم الضغوط الغربية لإيذائنا". لن تقبل روسيا بجوابٍ كهذا، لكن لوكاشينكو يحتاج إليه لتوجيهه كمحاولة أخيرة للغرب، علّه يحظى بمشروعيةٍ مماثلةٍ للفنزويلي نيكولاس مادورو.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".