لوحات الفارس وحصانُه شدّاد

02 يناير 2023

لوحات من معرض يوسف النحوي في متحف بيت الزبير في مسقط (حساب المتحف في تويتر)

+ الخط -

أقام الفنان العُماني يوسف النحوي، الذي يعرّف نفسه بفارس الفن التشكيلي العُماني (لكثرة الخيول في لوحاته، وشغفه الشخصي بتربيتها) معرضاً، في أثناء كأس العالم، في متحف بيت الزبير في مسقط. وكان يشاركه بصمت حصانٌ أبيض جميلٌ ذو أعراف وثيرة، وكأنه يتحرّك في أروقة الخيال، أطلق عليه النحوي اسم علم عربي، لا يخلو من دلالة ورمزية عالية في عالم الفروسية، شدّاد، ما يوحي مباشرة بالشاعر والفارس الجاهلي، عنترة بن شداد، رمز الفروسية وإخلاص المحب، يعكسه بيتاه البليغان في وصف اشتياقه لحبيبته عبلة، حتى في ساحات الوغى وحمى وطيس المعارك: 
وَلَقَد ذَكَرتُكِ والرِّماحُ نَواهِلٌ/ مِنّي وبِيضُ الهِندِ تَقطُرُ مِن دَمي
فَوَدَدتُ تَقبيلَ السُيوفِ لأَنَّها/ لَمَعَت كَبارِقِ ثَغرِكِ المُتَبَسِّمِ 
وكان سائسٌ مدرّبٌ يقود الحصان الأبيض شداد بين الجمهور، وكأنه جاء ليشارك الحاضرين عالم أقرانه من الأحصنة التي رسمها فارسُه. في بداية المعرض، برزت لوحة ضخمة أشبه بجدارية، وهي الأكبر في المعرض، حيث رسم خيولاً رشيقة، وهي تخوض غمار الماء بذيولها البيضاء التي تشبه الأمواج، يعتلي أوسط هذه الخيول أمير قطر، الشيخ تميم، يرافقه والده ووالدته وبعض من أفراد عائلته. بعد ذلك تتوالى اللوحات، في محاكاة لونية للطبيعة العُمانية وتراثها وقراها وقلاعها وأسواقها وشواطئها. ولكن الخيل كانت هي التيمة الغالبة، وهي تبرز وتختفي بين لوحة وأخرى. وقد صوّرتها ريشة الفارس يوسف النحوي من أكثر من زاوية، وفي لحظات هدوئها وجموحها ووثبها، سكونها وحرنها ووثبها. ولأن معظم اللوحات بدت ناصعة في وضوحها وطلاقة ألوانها، كان الحضور يتوقف أمام كل لوحة من دون أن يغادرها بسهولة. وكان الفنان يشرح، وهو يرتدي ملابس تقليدية مليئة بالألوان، وكأنما قسّم ألوان لوحاته على ملابسه، المصر الأسود الموشّى بالألوان الفاتحة الذي يغطّي جبهته، والخيوط التي تزركش واجهة دشداشته العنّابية.   
تقرأ في الكتيّب الذي وزّع على الجمهور: "يعد الفنان يوسف النحوي أحد كبار الفن التشكيلي في عُمان، حيث أقام خلال مسيرته عدة معارض محلية وعالمية. وفي عام 2010، سجّل النحوي اسمه في موسوعة غينيس للأرقام القياسية بأكبر عمل فني منفذ بالفسيفساء، مجسّداً لوحة لصاحب الجلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيّب الله ثراه". 
ومن المصادفات أني شاهدت يوسف قبل المعرض بوقت قصير، حين رفعت عيني عن شاشة الكمبيوتر في مقهىً اعتدت أن أقضي فيه بعض ساعات المساء، شاباً يخطو نحوي، وتتقدّمه ابتسامته ويعقبه شعره الطويل الذي بدا كأنه يحاكي به شعر أحد أحصنته، سواء التي يرسمها أو التي يربيها. وذات مرّة، حين كنت في زيارة للجمعية العُمانية للفنون التشكيلية، وكان برفقتي ابني، رأيتُه منهمكاً في رسم لوحة حصان، فجأة أعطى ريشته لفارس وطلب منه أن يكمل اللوحة، ثم أخذ له صورة من كاميرا هاتفه. هذه التلقائية المحببة تقرّب منه القلوب. ولذلك، كانت القاعة مليئة بالزوّار، ومن ضمنهم أخوته وزملاؤه في جامعة السلطان قابوس، حيث يعمل.
في نهاية المعرض، وعلى يسار باب الدخول، كانت اللوحة الأخيرة كبيرة، وليس من حصان فيها، بل غزال خائف، وقد أحاط به قطيع من الذئاب، بعضهم كأنه يخرج من الغبار أو من قلب الظلام، متجهاً لافتراسه. هل أراد يوسف النحوي أن يرمز بالغزال إلى الوطن، وبالذئاب إلى الذين ينهشون خيراته من دون خوف أو شبع؟ ربما، ومن يمكنه أن يتنبأ بما يدور في خلد الفنان؟

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي