لماذا لم تشارك "حماس" في الحرب؟
إجابة صاحب السطور أدناه عن السؤال أعلاه: لا أعرف .. لا يغشاني حرجٌ من هذا. قد تستطيع أن تسرُد بواعث زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان، وأسباب تردُّد الرئيس أردوغان في إنجاز عمليةٍ عسكريةٍ في شمال سورية أعلن عنها، وأسباب فشل إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي في إدارة أزمة سد النهضة، وأسباب صعود اليمين انتخابياً في فرنسا، وأسباباً أخرى في غير مسألة. لكنّك، في الوقت نفسه، لا يمكن أن تكون "أبو العُرّيف" في كلّ حدثٍ ومستجدّ. وطالما أنّ التصدّي للعدوان العسكري على قطاع غزّة، بإنجاز ضرباتٍ في الجانب الإسرائيلي، موكولٌ أساساً لمقاتلين شُجعان، تفرض عليهم أحوالُهم وطبيعة مهمّاتهم السرّية المطلقة، وطالما أنّ حركة حماس لم يصدُر منها أي توضيحٍ في موضوعة السؤال في عنوان هذه المقالة، وطالما أنّ حركة الجهاد الإسلامي التي استهدف العدوان قادةً ميدانيين فيها، ومواقع لها، لم تأتِ على هذا الشأن، وطالما أن لا معطيات ميسورة، ميدانية وسياسية، تُسعف الصحافي المعلّق، عندما ينصرف إلى تحليل حرب اليومين ونصف اليوم، إذا انشغل بمسألة عزوف "حماس" عن المشاركة فيها، فإن الأدْعى من هذا الزميل المحترم أن يتواضع، فلا يدّعي معرفةً بما لا يعرف، ثم يبني على افتراضاتِه ومسبقاتِه مواقف من الحركة الإسلامية، بدعوى تقصيرِها عن تأدية ما يُطالبها به. ومما يضاعف الحاجة إلى بثّ نقاط نظام هنا أن كثيرين ممن استفظعوا ما عدّوه نقصاناً في وطنية الحركة الإسلامية، وأبدوا فائضاً من الشجاعة والوطنية في حشاياهم، وهم يتطلبون ويطلبون، وينقدون وينتقدون، هم من منقوصي الحسّ الأخلاقي، عندما لا تُصادف لهم مواقفَ ناقمة (أو أقلّه منتقدة) بشأن مقتلة فلسطينيين في مذابح شبّيحة نظام الأسد في سورية، وبشأن احتجاز فلسطينيين في مصر، ووفيات مصريين في سجون السيسي.
أما بعد، عدم مشاركة "حماس" في الحرب اختيارٌ صائبٌ منها، أيّا كان سببه، الحكمة أو حُسن تقدير الموقف أو ترقّب تدحرج الأحداث أو سوء تواصل وتنسيق مع "الجهاد الإسلامي" أو أيٌّ من أسبابٍ ليس في وسع صاحب هذه الكلمات معرفتها ولا ترجيح أيٍّ منها. ولا يتعلق هذا الصواب بأنّ الألف صاروخ (هل هي ألفٌ حقاً؟) التي ضربتها "الجهاد الإسلامي" على مواقع للعدوّ المعتدي لم تؤذِ إسرائيلياً واحداً، وإنّما لأنّه، بقياس الشاهد على الغائب، كان متوقّعا أن تزيد مشاركةٌ من "حماس" في توجيه صواريخ مماثلة الـ56 ساعة للحرب إلى أيام أو أسابيع، ما يعني أنّ عدد الشهداء سيزيد على 48، وبينهم 16 طفلاً وأربع نساء، وأنّ عدد الجرحى سيزيد على 360، وليس مؤكّداً أنّ عدد القتلى الإسرائيليين صفر سيزيد. والأصل، في المبتدأ والمنتهى، أنّ أولويات كلّ فصيل فلسطيني لا يجب أن تكون تظهير البطولة والصمود، وإنما تجنيب الفلسطينيين القتل والإصابة، بفعل الوحشية الإسرائيلية التي لا يعنيها سقوط مدنيين أو غير مدنيين في استباحتها قطاع غزّة، كما دلّت على ذلك جولات الحروب العدوانية في الأعوام 2008، 2012، 2014، 2021، والتي دلّت المقاومة في غضونها على بسالة شبّانها ومجاهديها وبطولاتهم، وقوة الإرادة فيهم، وأثبت أهل قطاع غزّة المحاصر صمودا وقدرةً أسطورية لديهم على الاحتمال والثبات.
ومما يبعث على شديد الأسف (أو الأسى) أنّ كلّ التضحيات التي بذلها أهل القطاع الصابرون، وكذا المقاومون الأبطال، لم تنبنِ عليها رؤى وطنيةٌ فلسطينيةٌ كفاحيةٌ جامعة، ذات بعد استراتيجي، وظلّ الحال على وتيرته، أن في وسع الآلة العسكرية الإسرائيلية أن تُقدِم على القصف على قطاع غزّة، وتستفرد به، متى شاءت وكيفما شاءت، فيما تؤدّي المقاومة كلّ جهدها من حيث توجيه ضرباتها الصاروخية (نرجو عدم المبالغة فتوصَف بأنها ردعية)، ذات الأثريْن، المعنوي والنفسي، الطيبيْن، والأثر الميداني المحدود. وفي جولة العدوان الأسبوع الماضي، اقترفت إسرائيل ما أرادته، تبعا لحساباتها. وجاءت مقدّرةً كل الجهود، المصرية والقَطرية وغيرها، التي عملت على وقف العدوان، وإنجاز تفاهماتٍ عارضة، من السذاجة (ربما الأنسب مفردة أخرى) أن يصدّق واحدُنا، وإنْ كان في منزلة زعيم فصيلٍ مقاوم، أنّ إسرائيل ستلتزم بأي ضماناتٍ وتعهداتٍ فيها. ومقدّرةٌ، من قبل ومن بعد، حسابات حركة حماس، عندما استنكفت عن المشاركة في الحرب، ما كان ربما عاملاً ساعد في تسريع الوصول إلى ما سمّي وقفاً لإطلاق النار .. ووقفٌ لإطلاق النار يعني، بداهةً، ضحايا فلسطينيين أقلّ، وهذا إنجازٌ ثمين.