لماذا لا يضحك نبيل سليمان؟
في مقالة له نشرت، أخيراً، في (العربي الجديد)، تحدث الروائي نبيل سليمان عن الضحك. لم يكن المقصودُ ضحكاً ينتمي إلى الحُبور، وإنما هو، على قولة أحمد (المتنبي)؛ ضحكٌ كالبُكَا، أو، لعله، على حد تعبير فنان الكاريكاتير السوري القديم حبيب كحالة: المضحك المبكي. ورَشَّ مسكَ الختام على آخر سطر من المقالة، إذ تساءل: وأنت، يا نبيل، لماذا لا تضحك؟
ألَّا يضحك نبيل سليمان، فهذا يعني أن الخطب جلل، لأن نبيل، المَرِح دائماً، كان يخترع أي كلام لينشر الضحك حوله. هذا من الطبع، وليس من التطبُّع. التقينا في الرقة التي ما زال الغزاة المحتلون يتعاقبون عليها منذ فجر التاريخ، حتى وصلت إلى احتلال نظام الأسد، ثم داعش. وكانت المناسبة حضور مهرجان العجيلي الذي كان ينظمه حمود الموسى. قال نبيل لجُلَّاسِنا: انظروا إلى أسماء كتاب آخر الزمن هؤلاء كم هي (مفشكلة)!. خطيب بدلة. تاج الدين الموسى. بينما إيقاع اسمي أنا، يا الله ما أجمله: نبيل، سليماااان!!. وضحكنا جميعاً، على الرغم من أن الراحل "تاج" من بيننا، على الأقل، كان يتطير من كلمة سليمان، لأن حافظ الأسد ظل يُدعى أبا سليمان إلى أن خرج علينا المطرب اللبناني علي حليحل بأغنية: أبو باسل قائدنا يا بو الجبين العالي التي بدأت بها مرحلةُ التحضير لتوريث الباسل؛ وسرعان ما فشلت بسبب السرعة الزائدة!
جاءنا تاج الدين؛ من قريته، كفرسجنة، في ريف معرة النعمان، بمصطلحات حكائية عجيبة، فحينما قيل له، مثلاً، أنت كاتب ساخر، لوذعي، وأدبُك يبعث على الضحك الجميل، قال: غريب هذا الكلام، فوالدتي التي تراني عابساً على الدوام تقول لي: وجهك يا ابني يَكُبّ صحن اللبن. ولكن تاج كان يضحكنا حتى بكلامه اليومي. كنا، على سبيل المثال، ذات يوم صيفي، نتعشّى في أحد مطاعم إدلب، حينما أسرَّ لنا أحدُ الحاضرين بأنه يحب حافظ الأسد. وحينما استوضحناه، أكَّدَ لنا أنه يحبه فعلاً وليس من باب التقية السياسية والأمنية. قال له تاج، بمنتهى الجد: لو أن المرحوم الرحالة التركي، أوليا جَلَبي، المتخصص بالأعاجيب، على قيد الحياة، وشهد موقفنا هذا، لكتب في مذكراته: ومررنا في مكان بظاهر مدينة إدلب، يُدعى الأورينت هاوس، وعثرنا هناك على رجل يحب حافظ الأسد. فضحكنا نحن، وأصيب عاشقُ الأسد بالخزي.
يومها، أعني يوم مهرجان العجيلي، وأنا أسوق سيارتي الكورية باتجاه الرقة، لاحظتُ أن محطات الراديو بدأت تتناقص بسبب ضعف الإرسال، حتى اقتصرتْ، أخيراً، على إذاعة دمشق. وبما أنني مولع بسماع الراديو في أثناء السفر، اضطررتُ للاستماع إلى حلقة كاملة من برنامج يعده عماد إبراهيم يتضمن لقاءً مدتُه 45 دقيقة مع الرفيق عمّار بكداش، وريث الرفيق خالد بكداش الذي توصل؛ بالتعاون مع زوجته وصال فرحة، إلى معادلة نضالية باهرة ملخصُها: أن محاربة الاستعمار والصهيونية والرجعية تقتضي أن يتنافس الأمناء العامُّون لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية على حب القائد التاريخي حافظ الأسد.
ما زعمه الإعلامي المحسوب على عظام رقبة النظام، محمود عبد الكريم، أن نجمة الألفية الثانية، فيروز، غنت "سوا ربينا"، للتعبير عن أخوّة الشعبين، اللبناني والسوري؛ إنما هو نوع من التزوير الإعلامي، لأن فيروز غنتها لـ (عربة الخضار)! التي صادرها الشرطي في مسرحية (الشخص)، وكان ذلك قبل أن يحتل حافظ الأسد سورية، ثم لبنان، ويستعبد شعبيهما، بزمن طويل.
... ولم يكن هذا هو التزوير المضحك الوحيد الذي ابتكره إعلامُ أحمد اسكندر في سورية، فنحن السوريين، كما تعلم، كنا نضحك حينما كانوا يضعون لنا، في كادر ثابت، صورة الديكتاتور حافظ الأسد، وينطلق من خلفه صوت فيروز: يا قمر مشغرة!
هل يعقل أن هذا كله لا يُضحك صديقَنا نبيل سليمان؟