لماذا قوات دولية في فلسطين؟
أهم ما جاءت به القمّة العربية التي استضافتها البحرين الخميس الماضي الدعوة إلى نشر قوات دولية في الأراضي الفلسطينية. وعدا عن ذلك، لم يأت "إعلان البحرين" بجديد يُذكر. وعلى ما في خلوّ الإعلان من مضمون ذي قيمة أو رسالة ذات شأن، يجب الإقرار بأنه بذلك كان واقعياً وعملياً بصورة واضحة. من دون تحايل على الواقع الصادم أو تجميل الوضع غير الإنساني في قطاع غزّة، فأي شعارات رنانة فارغة، ستكون محل سخرية على المستويين، العربي والعالمي.
تجسّد واقعية قمة البحرين خذلانها الفلسطينيين وعجزها عن نصرتهم، فبينما تنتفض شرائح مجتمعية متنوعة في مختلف الدول، من أجل أطفال غزّة وشيوخها ونسائها، يخرُج قادة العرب بإعلان لا يُنقذ الفلسطينيين، ولا يحرّك ساكناً في إسرائيل. معنى ذلك أنه لا اختلاف حقيقياً في المشهد قبل القمة العربية عما بعدها، فالعرب بلا قمّة هم العرب في القمّة، قولاً وفعلاً وصدى، سواء لدى إسرائيل أو العالم. وبالفعل، تضاءل ناتج قمّة البحرين بقدر ما صغر العرب وانكمشوا طوال العقود الماضية.
وحيث اقتصرت نواتج القمة على الدعوة إلى وضع غزّة تحت إشراف قوات دولية، لا بدّ أن في الأمر أمراً. ولا شك في أن الدول العربية التي تخشى أن ترفع صوتها في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية أو ربيبتها إسرائيل، لن تجرؤ على إعلان هذا الطرح من تلقاء نفسها، هذا إن كانت الفكرة أصلاً عربية. وهي ليست كذلك، فنظرة سريعة على شاطئ غزّة المطلّ على البحر المتوسط، تكشف قرب الانتهاء من إنشاء الرصيف البحري/ الميناء الذي اقترحته الولايات المتحدة منذ شهرين. وبادرت فوراً إلى بنائه من دون موافقة أممية أو أي غطاء قانوني، ولا يعرف الوضع القانوني لتلك الخطوة، وما سيترتّب عليها من إجراءات لاحقة. لكن المؤكّد أن أهداف ذلك الرصيف أو الميناء لا تقتصر على تسهيل وصول المساعدات إلى غزّة، فمن ناحية، لم تكن واشنطن أبداً معنية بالفلسطينيين لا سياسياً ولا إنسانياً. ومن ناحية ثانية، لا يرجع تعثّر وصول المساعدات لأسباب لوجستية أو لصعوبة نقلها برّاً من العريش إلى رفح، فمنع المساعدات قرار إسرائيلي عقابي بحقّ الفلسطينيين، وبحجج واهية مثل تأمين عدم دخول مواد أو أدوات قابلة لاستخدامات عسكرية.
وقد ظلّ الهدف الحقيقي من الميناء الجديد غامضاً ومفتوحاً على احتمالات عدّة، حتى انعقدت قمّة البحرين الخميس الماضي، ودعت إلى نشر قوات دولية في الأراضي الفلسطينية. فكشفت بذلك كلمة السر في موضوع الرصيف البحري غير المبرّر، حيث لا بد لتلك القوات من مدخل إلى غزّة. وإذ ليس متوقعاً بحال أن تكون مصر هي المدخل، سيكون الميناء أو الرصيف البحري مؤهلاً لذلك وجاهزاً للاستخدام. أي أن العرب بأنفسهم، وفي قمّتهم، يفتحون الباب أمام دخول قوات أجنبية إلى أرض فلسطين. بل إنهم من يدعون إلى ذلك، كما لو كان قرارهم وبإرادتهم الحرّة. وهو إخراج سينمائي سخيف ضعيف يغلف مأساوية الحال العربي بطفولية ساذجة. وهي الرعونة ذاتها التي تعاطى بها العرب مع بدايات الثورة الليبية، حين حصل حلف الناتو على تفويض جامعة الدول العربية بالتدخّل في ليبيا.
يبدو أن العرب في حالة ذعر من تكرار 7 أكتوبر، وليس لديهم قدرة ولا نيّة، للوقوف عملياً إلى جانب الحقّ الفلسطيني. وبدلاً من مواجهة إسرائيل بأي شكل، ولو دبلوماسياً، يتخلّص العرب من مسؤولياتهم الأصيلة، باستدعاء احتلال غربي لفلسطين نيابة عن إسرائيل. على حساب حياة الفلسطينيين وبقائهم فوق أرضهم. ولا عزاء لأرواح شهداء فلسطين، السابقين واللاحقين.