للشهرة أيضاً آلامها
لا تغترّ بمظهر الشهرة، حتّى وإن أخذت بالألباب، لأنّها تتمظهر أسفل غطاء رقيق جداً وهشٍّ من الحضور المؤقّت تحت رحمة الأضواء والطلب والتعاقدات. وسريعاً ما تزول أو تتغيّر مع تقلّب الأيام والوجوه الجديدة في المشهد وتبدّل الملامح والأوقات، وخصوصاً ملامحَ الجسم والوجه وتعبيراته العاجزة والضعيفة أيضاً، كما في حالة المُغنّي والممثّل محمد فؤاد، في ذلك الفيديو الذي انتشر منذ أيّام، فهذا بؤس الشهرة حين يبدأ أوان ضعفها وتضعضعها، تجعل صاحبها يُعلن، وكأنّه صار منسياً، "أنت عارف أنت بتكلّم مين؟"، وكأنّه يُقرّ حقيقةً يخافها هو من داخله، بأنّه قد صار منسيّاً، محاولة إعادة الحضور بأيّ شكل، ولو بافتعال معركة داخل مؤسّسة طبّية وجامعية عريقة، حتّى وإن طلب التصالح فيما بعد، إلّا أنّ بقايا النجم الذي كان يوماً قد حقّق أعلى إيرادات في فيلم مصري (إسماعيلية رايح جاي)، وقت عرضه، له جوقة من صنّاع الفيديوهات والبطانة، سواء أكان في الساحل الشمالي أم داخل سيارة دفع رباعي يصطاد الغزلان من الصحراء، وقد ظهرت سيدة ببدلة سوداء بعد يوم من الحادثة، وكأنّها ممثلةٌ في مسرح جلال الشرقاوي التجاري صيفاً، وتلفّظت بكلام أخطر ألفَ مرّةٍ من كلام محمد فؤاد ومعركته، وعلّ تلك هي الرسالة المُشفَّرة في تلك المعركة بأكملها، وهو كلام يستحقّ التأمل أيضاً، سنعرج عليه في يوم ما.
والآن، تخيّل مثلاً ملكة جمال مصر في الثمانينيّات من القرن المنصرم وهي تتّكئ على عصا سوداء من الأبنوس، وفي يدها حقيبة سوداء، وعلى عينيها نظّارة سوداء أيضاً تداري بها طعنات الزمن أسفل العينين، وفي يدها جواز سفر تحاول أن تدخل قنصلية كندا في مصر، كي تحصل على تأشيرة زيارة لأحفادها هناك، ولم تنسَ بالطبع أن تضع داخلَ حقيبتها عددين من مجلتي المُصوّر، أو الكواكب، شاهدتين على اعتلائها ملكةَ جمال مصر في يوم ما.
الشهرة جارحة وقت زوال وهجها، وخاصّة لو أراد صاحبها بعد زوالها أن ينال ولو شيئاً بسيطاً من تلك الأشياء التي كانت تُلقى أسفل قدميه أيّام الشهرة، مسألة تستحقّ بالفعل الشفقة أحياناً، أمّا ما يخرج من نطاق الأدب، فأظنه يستحقّ العلاج.
هل لا بدّ من تدريب السادة والسيدات من أهل الطرب والفنّ في مصر، وخاصّة حينما تجور عليهم الأيّام، وهم في مطار، أو دار رعاية، أو مستشفى، أو "سوبر ماركت"، أو بنك، أو صيدلية، أو داخل ورشة لسمكرة السيارة، أنّ الذات واحترامها أهمّ من بريق الذات، وحصافة الشخصيّة أهمّ من الزهو والخيلاء بها، وأنّ التواضع أهمّ من دهانات الوجه وعدد الأفلام التي كانت يوماً ترقص داخل العلب، وأنّ حقيقة الذات أكثر ألقاً من الصبغات والنظّارات رباعية الأبعاد، وأنّ الشارع هو من يحكم مسيرنا وليس جبل الأولمب أو الكاميرات المُقرّبة أو استديو نحّاس أو "حنكشات الراحل مفيد فوزي" مع المخرج خيري بشارة حول سبعة "طشوت" من الفضّة الخالصة، تخصّ الممثلة نبيلة عبيد قبالة الضحكة الواسعة في حفلات أعياد ميلادها، متى يتعلّم أهل الفنّ أنّ إسحاق الموصلّي أبقى عند العرب والعجم من الـ 365 ثوباً، عدد أيّام السنة لديه، والتي كانت من الحرير والصوف والدمقس، وموشّاة بالذهب واللؤلؤ والفضّة والعقيق، وأنّ أغاني أمّ كلثوم أبقى من "فيلّا" أمّ كلثوم بعد ما صارت فندقاً، وأنّ بحّة صوت منيرة المهدية، التي كانت تُهيّج الدمع في الحفلات، أبقى من عوّامتها في النيل بعد ما راحت أكثر من مائة أو مائتي حكومة، وعلّ تاجر خردة من روض الفرج قد يأخذ العوّامة بحالها حديدَ خردةٍ في يوم ما.
متى يُعرّف أهلَ الفنّ أنّ فيلم "الكيت كات" أبقى من يخت الممثّل محمود عبد العزيز، وأنّ أغنيات محمد الكحلاوي أبقى من عوّامته، كان للكحلاوي أيضاً عوّامة أيّام الشقاوة.
متى يعلم أهل الفنّ أنّ ألحان عبد العظيم عبد الحقّ أجمل كثيراً من "كفوف" محمد رمضان، وعمرو دياب، على وجوه الناس البسيطة، وأنّ مدرسة نبوية موسى أكثر خيراً للأجيال من "موتسيكل" سما المصري، وأنّ أغنية "فكّروني" أجمل كثيراً من "كلب الستّ".