لقاح كورونا .. الإرادة والمؤامرة

10 ديسمبر 2020
+ الخط -

أخيرا.. صار اللقاح لفيروس كورونا حقيقة طبية معتمدة، وأصبح بمتناول الناس أخذه على سبل الوقاية من المرض الذي أزعج العالم كله خلال سنةٍ واحدةٍ، تغيرت فيها قواعد الحياة اليومية في كل بلدان العالم بشكل كلي تقريبا. تقول الأخبار إن البريطانية مارغريت كينان البالغة تسعة عقود، أو أزيد قليلا، أصبحت أول شخص في العالم يحصل على اللقاح الذي ينتظره العالم، منذ اكتشاف المرض قبل سنة تقريبا. وإذا كان الفيروس قد اكتشف في الصين، فاللقاح بدأ حقنه في بريطانيا. وبين البلدين من الاختلافات الكثيرة ما لا يمكن تجاهله، لولا أن صحة الكائن البشري أكبر من أي خلافاتٍ أو اختلافات، وأي تهديد لها قادر على توحيد كل الجهود في سبيل دفع هذا التهديد العامل المشترك بهدف المحافظة على بقاء الإنسان حيا على هذه الأرض. 

بدت السيدة كينان وهي تأخذ جرعة لقاح شركة فايزر، عبر ما ورد من مقاطع مصوّرة، مرتاحة جدا، وسعيدة. ترتدي قميصا أزرق، تزينه عبارة "عيد ميلاد سعيد"، وتضع على وجهها كمّامة لم تفلح في إخفاء تعابير الفرح والسعادة في وجهها، وتمدّ ذراعها للممرضة، كي تغرس الإبرة المحملة باللقاح في عضدها، بينما تزاحم المصوّرون حولها ليصوّروا تلك اللحظة التاريخية التي يُفترض أنها تمثل انتصار العلم على المرض، وتدلّ على أن الإنسان، بمشيئة الله، يبقى قادرا على مواجهة تحدّيات الطبيعة المستمرة التي تهدّد بقاءه. قالت السيدة في ما نقل عنها: "أشعر بامتياز كبير، كوني أول شخصٍ يتم تطعيمه ضد فيروس كورونا، إنها أفضل هدية عيد ميلاد مبكّرة يمكن أن أتمناها، لأنها تعنى أنه يمكنني أخيرًا أن أتطلع إلى قضاء الوقت مع عائلتي وأصدقائي في العام الجديد، ونصيحتى لأي شخصٍ عارض اللقاح أن يأخذه. إذا كان بإمكاني الحصول عليه في عمر 90، فيمكنك الحصول عليه أيضًا". 

وفي العبارة الأخيرة هذه للسيدة إشارة ربما غير مقصودة، وإن كانت ذات دلالة عميقة إلى العلاقة ما بين العمر والمغامرة بأخذ هذا اللقاح المختلف عليه كفكرة، فهل اتخذت السلطات الصحية البريطانية قرار البدء بتطعيم كبار السن إيثارا لهم؟ أم لأنهم الأكثر عرضةً لالتقاط الفيروس والأقل قدرةً على مقاومته؟ أم أنها أقدمت على ذلك على سبيل التجريب بفئة عمرية غير منتجة، وفقا للتقييم الرأسمالي الاستهلاكي البحت؟ هل ستكون تلك السياسة خيار بقية البلدان التي ستحصل على اللقاح أيضا، أم أن لكل بلد منها ثقافته الخاصة في التعامل مع ملف اللقاحات؟ أسئلة ما زالت معلقة على حبال التفكير مع بقية الأفكار الأخرى التي بلغ بعضها حدّ الخرافة! 

منذ بداية الحديث عن إمكانية اكتشاف لقاح ضد فيروس كورونا والناس ما بين رافض للفكرة أو موافق عليها، ولكل فريقٍ أسبابه. وإذا كان الفريق الموافق على فكرة أخذ اللقاح ينطلق من مبدأ طبي بحت، باعتبار أن اللقاح سيكون كغيره من اللقاحات السابقة ضد الأمراض التي كادت أن تفتك بالبشر لولاها، فإن الفريق المضادّ والرافض للفكرة ينطلق من نظرية المؤامرة، وأن اللقاح خطر غير مباشر على الوجود الإنساني كله، وأن له أثرا مدمرا على جينات الكائن البشري، وأنه مجرّد نتيجة لرغبات معلنة جزئيا لبعض الناشطين على صعيد إعادة ترتيب جينات البشر بما يتوافق ورؤيتهم للحياة، ومن يستحق الخلود فيها أطول فترة ممكنة. ويردّد هذا الفريق الرافض للفكرة اسم بيل غيتس متورطا في المؤامرة المزعومة. 

ما لا ينبغي أن يغيب عنا أن مثل هذه الأفكار كانت تظهر دائما مع كل اكتشافٍ طبيٍّ شمولي جديد، وكل اللقاحات التي ظهرت في السابق حظيت بمخاوف وإشاعاتٍ من هذا النوع الخرافي. وعلى الرغم من قوتها الكبيرة في بعض الحالات، إلا أنها سرعان ما اختفت، وبقيت تلك اللقاحات الناجحة شاهدة على قدرة الإنسان، بمشيئة خالقه، على تجاوز معوقات الحياة، عندما يريد ذلك فعلا.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.