لا ثورة في مصر قريباً

14 نوفمبر 2022
+ الخط -

يحمل ما حدث في مصر يوم الجمعة الماضي، 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، دلالات ومعاني كثيرة، لجهة طبيعة العلاقة بين الشعب المصري والسلطة الحاكمة وصيرورتها، فبينما سادت مصر كلها حالة ترقّب لمفاجأة كبيرة على غرار "25 يناير"، مرّ اليوم خالياً من أي مفاجآت. وخلت الشوارع في كل أنحاء مصر، ليس فقط من تظاهرات أو مسيرات أو تجمّعات بشرية معارضة، بل أيضاً من مظاهر الازدحام العادية المعتادة في يوم العطلة الأسبوعية. ليس التحفّظ الشعبي جديداً على المصريين، فهم عادة لا يثورون ولا يتحرّكون إلا بتشجيع قيادةٍ وحشدها ووجودها للالتفاف حولها. وهنا تظهر الدلالة الأعمق في الخواء الذي ملأ أجواء مصر يوم 11 نوفمبر، إذ لم يكن فراغاً مادياً، وإنما هو خواء سياسي وتنظيمي. ففي كل المرّات التي خرج فيها المصريون اعتراضاً على سُلطةٍ أو احتجاجاً على قرار كان لهم محرّك وقيادة ورأس أو رؤوس مدبّرة. قد لا تكون العملية منظمّة أو مخطّطة بدقة من البداية، لكنها على الأقل تتبلور على أيدي مجموعاتٍ أو تنظيماتٍ أو أشخاصٍ يديرون التحرّك الشعبي، سواء بشكل عام ومركزي أو التحرّكات النطاقية على مستوياتٍ جغرافية أو قطاعية جزئية. 
ومن الضروري في هذا الصدد استذكار أن ثورة 25 يناير كانت تلقائية وعفوية، ولكن غير عشوائية، فقد استفادت من الثورة التونسية، ونظّمت تحرّكاتها حزمة تنظيمات سياسية وقوى شبابية ومجموعات من الناشطين شكّلت معاً منظومة حشد وتعبئة على كل مستويات الشعب المصري وقطاعاته. 
الوضع في 11 نوفمبر مختلفٌ إلى حد النقيض، فقد تغيّرت تضاريس البيئة السياسية والمجتمعية جذرياً، إذ لا تنظيمات سياسية قوية، بعد تشتيت جماعة الإخوان المسلمين وتهشيمها، ولا قوى شبابية حاضرة، إثر تفكيك جماعة 6 أبريل وحظر "الألتراس" واعتقال عشرات الآلاف من شباب يناير، وصار أغلبهم رجالاً أو كهولاً أقلّ حماساً وعنفواناً مما كانوا عليه في 2011. 
وهكذا اختفت من المشهد كل عناصر التحكّم والقيادة الضرورية في أي حراك شعبي ثوري. وفي المقابل، تفاقمت أعباء الحياة اليومية، وصارت ضاغطة بشكل خانق على كل المصريين، بمختلف مستوياتهم الطبقية والمعيشية. ولم يعد لدى غالبية الشعب أي مجال أو استعداد للتضحية بأرزاقهم أو أعمالهم. ومع اتساع نطاق الاعتقالات والاختفاء القسري، بات سائداً بين جموع المصريين الخوف على سلامتهم الجسدية وأمن عائلاتهم. وهي مخاوفُ بشرية طبيعية، تتجاوز أي أولويات أخرى.
أما العامل الأقوى تأثيراً في تبلور تلك الحالة من الخضوع والانكسار فهو الإحباط الشديد الذي أصاب جيل يناير، بسبب انتكاسة تعثر ثورة يناير ثم انتكاسها تماماً في 3 يوليو/ تموز 2013. وهو إحباطٌ متعدّد المستويات والمصادر، مهمّ فيها ذلك الوجه القمعي الذي أمعنت السلطة الحاكمة في إبرازه للمواطنين في محطّاتٍ فارقةٍ مثل مذبحة ميداني رابعة والنهضة. لكن الأهم هو خيبة الأمل الشديدة التي تسبّب فيها أداء جماعة الإخوان خلال وجودها الظاهري في الحكم، والتعاطي برعونة وسذاجة مع مسالك السياسة وطرائق إدارة الدولة.
طوال تاريخ المصريين قديماً وحديثاً كانت الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية التلقائية تندلع لأسباب اقتصادية بالأساس. ولم تكن المطالب والأوضاع السياسية وراء أي تحرّك شعبي، إلا إذا كان مصحوباً بوجود قيادة تخطّط وشبكاتٍ تشرف وتنفذ. وإذ لا تزال لدى المصريين قدرة على تحمّل الوضع الاقتصادي شديد السوء والتدهور، فإن اندلاع ثورة شعبية مستبعد.
بإيجاز، في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 لم تتوفر المقوّمات اللازمة لحراك ثوري شامل، أو حتى انتفاضة جزئية. ولو تكرّرت الدعوة نفسها إلى الثورة أو التظاهر مرّة أخرى أو مائة مرّة، لكانت النتيجة كما هي، لا ثورة ممكنة في مصر حالياً، وإلى أجل غير معلوم.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.