كل هذه الصفعات
الصفعة في معاجم العربية هي الضربُ على الخدّ بكفّ اليد مبسوطةً. وفي غير المعاجم، سلوكٌ مرذولٌ ومستنكرٌ، يعبّر عن انفعالٍ غاضبٍ عاصفٍ، طارئٍ في لحظته غالبا، وإنْ مورس، أحيانا، عقابا تأديبيا. وهناك، في مسرح دولبي في لوس أنجليس، في حفل توزيع جوائز أوسكار 2022، قبيل إعلان أسماء الفائزين لتكريمهم، صَفع الممثل ويل سميث (1968) مقدّم (منشّط بمفردة أصدقائنا المغاربة) الحفل، الممثل الفكاهي كريس روك (1965)، على المنصّة، لأن الأخير شابَهَ، في ما بدا تهكّما غير مهذّب، ديمي مور في فيلمٍ، ظهرت فيه حليقةَ الشعر، بجادا بينكيت، زوجة سميث، المريضة بالثّعلبة. وقد شوهد حدثُ الصفعة باهتمامٍ مهولٍ في العالم ضاعفته رتابةٌ صارت عليه مشاهد الحرب في أوكرانيا. ولأيٍّ منّا أن يرى ما يراه في الذي فعله سميث، إنْ شجاعةً، ومروءةً مع زوجته التي تحدّثت مرّة (بحضورِه) عن علاقةٍ مع مغنٍّ فاقت الصداقة (...)، في أثناء تأزّمٍ بين الزوجيْن، أم أنه كان في وسع الممثل المعروف، حائز جائزةٍ في الحفل نفسه، أن يقرّع كريس روك بكيفيةٍ أخرى، بأن يُعلن، مثلا، على المنصّة، اعتزازَه بزوجته، ويطلب تضامنا معها مريضة، سيما وقد وجد نفسه يعتذر لزميله، أمام جمهور الحفل ومتابعيه، وتاليا إليه مباشرة.
الواقعة كما شوهدت غير مسبوقة. والصفع أمام الناس فعلٌ نادرُ الحدوث، ربما لأنه غالبا مفاجئ، وانفعالٌ في وقته. ولعلها صفعة الرئيس اللبناني الراحل، إلياس الهراوي، مواطنه الصحافي حسن صبرا، في جمع عزاءٍ في بيروت العام 1998، الوحيدة من نوعها، وفي غرابتها أيضا، فقد فعلها فخامته ردّا منه على مقالٍ كتبه الزميل معارضا الزواج المدني. أما صفعة ياسر عرفات جبريل الرجوب، في اجتماعٍ مع آخرين العام 2003، فذيوع أخبارٍ عنها لا يعني تأكيد حدوثها، وإنْ في الوُسع ترجيحها. وانفعالا منه، وجد عمر الشريف نفسَه، في لحظة مزاجٍ غير مواتية، يصفع مراسلةً عراقيةً لفضائيةٍ عربية، تطفّلت عليه معجبةً به (وهي الإعلامية!) لالتقاط صورةٍ معه، في مهرجان سينما في الدوحة في 2011. ولم تكن صفعتُه تلك في شيخوختِه بقوّة التي "أدّاها" في شبابه في فيلم "بداية ونهاية" (1960)، وتسبّبت بضعف سمع سناء جميل في أذنها اليُمنى عقودا.
الغالب في الصفعات، في السينما (المصرية هنا) وفي واقع الحياة، أنها من رجالٍ يستهدفون بها نساء، وإنْ تصفَع سعاد حسني أحمد زكي بقوةٍ في "الراعي والنساء" (1991)، الفيلم الذي تعدّدت الصفعاتُ فيه، تلقّى منها أحمد زكي ستّا من يسرا. أما صفع الرجال الرجال، فلا يزال أهل الاختصاص (؟) يؤرّخون صفعات عماد حمدي في عبد الحليم حافظ في فيلم "الخطايا" (1962) أنها الأشهر والأعنف، سيما وأن حمدي طلب أن تكون بحيلةٍ تصويريةٍ، غير أن حليم شدّد على صدقيتها، فكان ما طلب، ثم أصيبَ بنزف، فاضطرّ إلى التداوي بحقنة. كما أن صفعاتٍ أخرى، شديدةً أيضا، تلقّاها "العندليب" لاحقا من حمدي نفسه، في "أبي فوق الشجرة" (1969)، الفيلم الذي صُفعت فيه نادية لطفي من عبد الحليم، بعد مشاهد حبّ جريئة (بعض الشيء؟) مصوّرةٍ في لبنان. ولا أظنها مبالغاتٍ أقوالُ بعض النجمات اللواتي تعرّضن للصفع في أفلامٍ لهن، كما قول نجوى إبراهيم إنه أُغمي عليها بعد "قلم" (صفعة) محمود مرسي لها في "فجر الإسلام" (1971)، وظلت أذنُها تصفّر أياما. وقول صفية العمري إن آثار "قلم" أحمد زكي لها في "البيه البوّاب" (1987) ما زالت على خدّها. وقول ماجدة إن اندماج زكي رستم في دوره في "أين عمري" (1956)، وتداخل التمثيلي مع الحقيقي لديه، جعلاه يصفعها خارج التصوير بقوة، فأغمي عليها، ونزفَ من فمها الدم، ثم اعتذر لها رستم وطلب السماح.
الحكايات وفيرةٌ مثل هذه في غير فيلم، وفي الدراما بمنسوبٍ أقل، وقد قالت ممثلةٌ شابة، غير مصرية، إن اندماج زميلها في دوره سبّب وجعا فظيعا لها بعد مشهد صفعِه لها "لكنّ أكل العيش مرّ". أما في الحياة نفسها، فالبيوت أسرار. وإذا كانت زوجاتٌ عربياتٌ (وغير عربيات) كثيراتٌ من المعتاد أن يتلقين صفعاتٍ من أزواجهن، فإنك تقرأ لكاتب روايةٍ تستوحي سيرة أم كلثوم، صدرت أخيرا، إنه جاء من مصدرٍ موثوقٍ بواقعة صفع زوج كوكب الشرق لها مرّة، ثم قدوم جمال عبد الناصر إليهما، للتهدئة وتعزيز أم كلثوم. تقرأ هذا، وقد سمعتَ عن النجم الفرنسي، ألن ديلون، قولَه في مهرجان كان، مرّة، إنه تلقى صفعاتٍ كثيرةً من زوجته. تقرأ وتسمع أكثر وأكثر عن صفعاتٍ متنوعة التفاصيل، غير أن في بدعة ويل سميث شيئا رواقيا ربما، سيما وأن اعتذارا تلاها.