كل هذه "القمم"
حفلت الأيام الماضية بلقاءات حملت طابع "القمم"، جمعت مسؤولين عرباً مع آخرين إسرائيليين، لا سيما التي عقدت في شرم الشيخ وضمّت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت. القمّة التي لم يرشح شيءٌ عن فحوى موضوعاتها أعقبتها مباشرة قمة أخرى في العقبة، جمعت الملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصري وولي عهد أبوظبي، إضافة إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ووزير الدولة السعودي تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز. وبغض النظر عن الأنباء التي تحدثت عن وجود إسرائيلي غير معلن في القمة الأخيرة، إلا أنه أيضاً لم تخرج عن اللقاء أي معلوماتٍ أو توصياتٍ عن الموضوعات التي جرى بحثها، باستثناء كلام مقتضب عن "تعزيز العلاقات الأخوية"، الأمر الذي لا يمكن تصديقه بطبيعة الحال بالنظر إلى تاريخ "العلاقات الأخوية العربية" المليئة بالدسائس والمكائد.
لكن ما هو مؤكد حتى الآن أن هذا الحراك العربي، والإسرائيلي في جزء منه، والذي يبدو أنه يحصل بتدبير إماراتي مباشر، يقوم على قاعدة القلق من مفاوضات فيينا بين إيران والغرب الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني، خصوصاً في ظل المعلومات الكثيرة الآن أن الأطراف هناك في طريقها إلى التوصل إلى اتفاق لا يأخذ بالاعتبار المخاوف والشروط الإسرائيلية، وبعض العربية. وما يؤكّد هذه القناعة أن هذا الحراك يأتي استباقاً لجولة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، و"اللقاء التاريخي"، بحسب التوصيف الإسرائيلي، الذي سيجمعه مع وزراء خارجية إسرائيل والإمارات والمغرب والبحرين، أي الدول الثلاث التي قامت بتطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال. من المرجّح أن بلينكن سيضع المجتمعين في اللقاء الذي ستستضيفه إسرائيل بصورة تطوّرات المفاوضات النووية، وبقرب التوصل إلى اتفاقات، مع كمٍّ من التطمينات بخصوص الالتزام بأمن دول المنطقة، وهي التطمينات ذاتها التي سيقت سابقاً عند إبرام الاتفاق الأول في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.
لكن لا يبدو أن إيران في طور تسهيل مهمة الوزير الأميركي في ضوء التصعيد القائم حالياً على الجبهة اليمنية وقصف الحوثيين مجمّعات أرامكو، فطهران لا تراهن على التهدئة الميدانية لإتمام الاتفاق بقدر ما تراهن على الحاجة الغربية إلى إبقاء إيران بعيدة عن ملفّ الحرب الروسية على أوكرانيا أو تقديم أي مساعدة لـ"الحليف" الروسي، وعلى هذا الأساس، هي تذهب بعيداً في مطالبها في الاتفاق المرتقب، وهي مطالب كانت إلى الأمس القريب غير قابلةٍ للحصول على الموافقة الغربية. لكنّ الوضع تغيّر الآن، فإضافة إلى الرغبة في تحييد طهران، هناك الرغبة في الاستفادة من الطاقة النفطية والغازية في إيران لتعويض إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا.
وبغض النظر عما سيحمله بلينكن، وما إذا كان سيكون كافياً لإرضاء الدول المجتمعة، فإن فكرة الوصول إلى اتفاق نووي سيتلقفها روّاد التطبيع العرب لتعزيز هذا التوجه من باب "المخاوف المشتركة" من تصاعد النفوذ الإيراني، ومن الممكن أن نرى أطرافاً أخرى تنضم قريباً إلى نادي المطبعين وفق هذا التوجه. وعلى هذا الأساس، كانت مشاركة الكاظمي في "الاجتماع التشاوري" لافتة، خصوصاً أن الوضع العراقي بات مرتبطاً عضوياً بإيران، وأي تحرك سياسي ضد طهران أو تقارب ضمني مع إسرائيل من شأنه أن يعيد إشعال الساحة العراقية.
"القمم" والتحرّكات الأخيرة، والمرتقبة لاحقاً، تحمل غموضا كثيرا حول أهدافها، فإذا كانت تجتمع بشكل أساسي حول الملف النووي الإيراني باعتباره القاسم المشترك بين الأطراف المشاركة، إلا أنها أيضاً الأجندات الخفية، والتي قد تظهر لاحقاً، وفي مقدمتها توسيع التطبيع وترتيب "البيت الفلسطيني" وفق الأهداف الجديدة.