كلوب هاوس... برلمان الخليج؟

11 مارس 2021
+ الخط -

تذكّر حقبة الكلوب هاوس في الخليج بحقبة المنتديات في سورية، عندما وصل بشار الأسد إلى الحكم. ورث الإبن عن والده أسوأ نظام ديكتاتوري طائفي دموي، وآخر موبقات الأب كان توريث الحكم لنجله الذي كان مؤهله بيولوجيا فقط، ولا علاقة له بأيديولوجيا حزب البعث "القائد للدولة والمجتمع"، وتم تعديل الدستور في دقائق إنفاذا لأحكام البيولوجيا. بدأ بشار عهده بـ"انفتاح" سياسي واقتصادي، وأنعش آمالا بأنه من الممكن أن يقطع مع إرث والده، ويكتسب شرعية حقيقية من خلال تحوّل ديمقراطي ممكن، كان عنوان الانفتاح "المنتديات"، والتي كانت، مثل كلوب هاوس، تجمّعات للنقاش ضمن سقف "الأمن" في قضايا وطنية مهمة، تضم مثقفين ومسيسين، ليس فيها إطار تنظيمي لحزب أو نقابة، لكنها شكّلت متنفسا للمجتمع المخنوق، وخطوةً في طريق الألف ميل، وكان الأمن يرصد كل سكتةٍ وكلمةٍ فيها.

استكثر الحرس القديم المعتاد على الشعب السوري ومثقفيه هذا المتنفس الذي لا يزيد على مضارب عشيرةٍ في البادية تدار فيها فناجين القهوة، ويتبادل الناس فيها الحديث. لم تطل تجربة المنتديات، وانقضّ الحرس عليها، وانتهى من قاموا عليها في المنافي والسجون. ولو أن طبيب العيون نظر إلى المستقبل، لشكلت تلك المنتديات جسرا بين نظامه القديم والمستقبل، ولأنجز إصلاحا سياسا كان سيجنّب الشعب الثورة التي تعامل معها طبيب العيون بنَفس عمى البصر والبصيرة.

بفضل التقنية والثروة، ازدهرت منصة كلوب هاوس في الخليج، فهي تتطلّب تغطية إنترنت جيدة وامتلاك جهاز آي فون. وإضافة إلى أسباب أخرى، شهدت المنصّة نموا كبيرا في الخليح، وخصوصا في السعودية والكويت. والمأمول أن يُتعامل معها برفق وبصيرة، بحيث تمضى خطوة الألف ميل باتجاه الديمقراطية بهدوء واتزان. ومن يتابع غرف النقاش يجد جدّية واتّزانا وحرصا على البلاد.

هنا برز الاستثناء الكويتي، فالبلد لديه إرث من الديمقراطية، تمثل بانتخابات نزيهة وصحافة حرّة ومؤسسات مجتمع مدني. تفاعل هذا الإرث مع التطور التقني، فأنتج غرف حوار بسقف عالٍ بدون مضايقات. لا يحتاج الخليج إلى هزّات اجتماعية وسياسية، إذ يمكن التوفيق بين مطالب الشعوب وضغوط الإدارة الديمقراطية وإرضاء الطرفين، فكريس مورفي السيناتور الديمقراطي المهم وأحد صانعي السياسة الأميركية كتب في "فورين أفيرز" قبل أسبوعين: "لا ضرائب، ولا تمثيل أيضًا" لا يمكن أن تستمر. مع تفوّق النمو السكاني على عائدات النفط، لن تتمكّن العائلات المالكة قريبًا من تحمّل هذا المردود. بمجرّد ضمور الإعانات واستمرار القمع، ستندلع عاصفة من الاضطرابات الكارثية. لحسن الحظ، هناك نماذج للإصلاح المحدود في الخليج، يمكن أن تساعد المتقاعسين في التقدّم. ينتخب الكويتيون، على سبيل المثال، برلمانًا يحافظ على بعض الاستقلالية عن التاج. على الرغم من أن هذا بعيدٌ كل البعد عن الديمقراطية التشاركية الحديثة، إلا أنه يقدّم بعض النقاط الإرشادية التي يمكن أن تنظر إليها الأنظمة القمعية.

من الواضح أن العالم العربي عموما، والخليج خصوصا، سيمرّر سنوات الديمقراطيين الأربع بأقل خسائر ممكنة، وسيعمل على امتصاص الضغوط من خلال الإفراج عن المعتقلين السياسيين وفتح المجال لحرية التعبير وإجراء انتخاباتٍ نزيهةٍ ما أمكن. في وضعٍ شبيه لما حصل في آخر سنوات بوش، عندما حذّر العالم العربي في خطابه الشهير الذي كتبه فؤاد عجمي، أحد منظرّي المحافظين الجدد، من أن التضحية بالديمقراطية في سبيل الأمن خسّرتنا الاثنين، ووصل التهديد الأمني إلى قلب واشنطن. استوعب الحكام العرب الرسالة، وشهدنا أيامها انتخاباتٍ شبه نزيهة في مصر، وأجريت للمرّة الأولى انتخاباتٌ في السعودية. انتهت حقبة بوش، وجاءت حقبة أوباما التي انتهت بالربيع العربي. انقسم الحكام العرب كما انقسم الأميركان أنفسهم: هل يقدّمون تنازلاتٍ للشارع كما حصل في المغرب، أم يتشدّدون أكثر كما حصل في غير بلد؟ وتزامنت حقبة ترامب المحبّ للديكتاتوريين مع انتصار الثورات المضادّة، فأمعنت أكثر الحكومات بالقمع إلى أن غادر ترامب مذموما مدحورا. وجاءت إدارة بايدن بوعودها الديمقراطية التي وجدت، حتى الآن، استجابةً معقولةً على قاعدة "هيا بنا نلعب قليلا مع بايدن"، وينتهي وقت اللعب بانتهاء ولايته، فإن واصل استمرّت اللعبة، وإن خرج تعود حليمة إلى أسوأ عاداتها القديمة.

83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
ياسر أبو هلالة

كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.

ياسر أبو هلالة