كعب بن مامة وليث الله ميسّي: صورة تذكارية

15 ديسمبر 2022

ليونيل ميسي بعد إحرازه هدفاً لصالح الأرجنتين ضد كرواتيا في مونديال قطر (13/12/2022/Getty)

+ الخط -

ظهر، قبل فترة، فيديو لمحمد صلاح الذي صار اسمه "مو" في نسخة التحديث، ويتكلّم بلبل، عفوًا لبلب، بلغة الخواجات، وهو يطلق ببندقية قدمه الكرة، فيصيب بها فتحة عجلة سيارة، فغار منه ليث الله ميسّي (ليث الله: ليون إيل، مثل جبرائيل، وهو اسم عربي بلا مشاحة)، وسدّد كرته على زجاجتين متراكبتين، الواحدة على رأس الأخرى، فأطاح الزجاجة السفلية وأنزل العلوية مكانها. هذا هو الذي ظهر لنا، نحن المشاهدين، لكن ضربة الجزاء التي أضاعها ميسّي، فضحته، "والتي لو أنَّ الحارس صدّها لكانت أشرف لهما". وأخبرتْنا أنّ محمد صلاح وميسّي غشّاشان، نصّابان، وما أصابا هدفيهما إلا بعد رمياتٍ بالعشرات، حتى ظفرا بتلكما الرميتين، كما في الأفلام، فالمخرجون والمصوّرون يصوّرن اللقطة بعد محاولات كثيرة خائبة. لكننا نقرُّ أنهم نجوم في فنون الكرة والقدم، ولهم عشاقٌ كثرٌ على هذه المطحية الملوّثة بالجوع واليورانيوم المنضّب ودخان المصانع، يحلمون بلقائهم والتقاط صورة معهم. والنجم مصطلحٌ معاصرٌ ظهر في القرن العشرين في السينما، وكنا نهتدي بها في ظلمات البرّ والبحر، ثم نزلت إلى هوليوود، فصارت لنا السينما سماءً، والكرة غذاءً.

بالأمس، أحرز زميل ميسّي الأرجنتيني هدفًا في مرمى هولندا، فكتبت القناة التي نقلت المباراة: هدف من تمريرة ساحرة لميسّي! وكذلك قال المعلق الرياضي، وانتظرتُ أن أعرف اسم الهدّاف، فعدتُ بخفّي حنين، وزاد الطين بلّة، أنَّ نمرة الخفّين ليستا نمرة قدمي. أما اللوحات التي صُنعت "للجو كندا" ميسّي في العالم، فكثيرة، وصارت أخبارًا في آخر كل نشرة أخبار: فلوحة له بالخيوط رسمها شاب هندي، وتمنّى أن يلتقي به، وبالزيت والزعتر رسمتها فلسطينية، وبالشنكليش والمكدوس رسمها سوري، وبالفطير المشلتت رسمها مصري، ولم يبق إلا أن تُعلّق على أستار الكعبة، مثل معلقات الشعراء في أيام الجاهلية. والرسامون أبرع من ميسي موهبة وأعلى منه "كعبًا"، لكن موهبة ميسّي في قدمه، "ومن يسوِّي بأنفِ الناقةِ الذنبا".

وأفضل فيلم أميركي عن صناعة النجم هو فلم هيرو (تمثيل داستن هوفمان وأندي غارسيا)، يجد "بيرتي" طائرة ساقطة فيضطرّ إلى إنقاذ ركابها على مضض، ثم يحبس بسبب ديون متراكمة واحتيالات قانونية. البطولة الأميركية غير العربية، فهو نصف بطل نصف شرّير، وتنتهي العدالة غالبا في المحاكم الأميركية بصفقة بين القاضي والمتهم، وفي الفيلم تنتهي بصفقة بين "البطلين" المحتالين، أما علامة البطولة وآيتها فهي فردة حذاء نسيه البطل بيرتي الذي أنقذ ركّاب الطائرة الساقطة!

أصل تعظيم القدم غربي، فهي موئل الروح عندهم. سخر شعوبيٌّ من ارتداء العرب الغترة والعقال، وقال: إن زيّ العربيّ زيُّ يقسره على الثبات، ويعطّله عن العمل والإنتاج .. فقلت له من غير وتبكيت: إن زيَّ العربي يوجب عليه أن يبقى مرفوع الهامة، موفور الكرامة، وهو زيّ يناسب بيئته.

قلنا إن الفرنجة قوم يعظّمون القدم والوطأة، ويمكن تذكّر عقب أخيل، ولهم آلة قياس اسمها القدم، بها يقيسون المسافات والأطوال، بينما قاس العرب الطول والمسافة بآلاتٍ لن تخطر لميسّي وليوناردو وملك الفيفا وجنيفير لوبيز على بال؛ مثل قياس قامة المرأة بطول جيدها، فقالوا: "بعيدة مهوى القرط"، وقياس قامة الفارس بتقبيله الظعينة، فقالوا: "مقبّل الظعن"، ومثل قياس قامة الفارس بخطِّ رجليه في الأرض وهو على ظهر الجواد، ومثل قياس القامة بالصّدَقة، ومثل قياس القامة بالبُردة، لكن الفرنجة جعلت نقطة ضعف أخيل الخارق، الخالد في الأسطورة، في قدمه!

نسبوا لنجوم كرة القدم المعجزات، كما نسبوا لهم صناعة التاريخ. في حكاية سندريلا، تنال الصبية المظلومة حظّها من السعادة بفردة نعلها، وقد تحوّلت الصورة فالأمة كلها سندريلا، واللاعب هو الأمير.

أما النعل، أو ما يقاربها، إن ذُكرت عند العرب فلها شأنٌ آخر، ونجد مثاله عند كعب بن مامة الذي فاق حاتمًا الطائي كرمًا، وهو امرؤ صاحب قومًا عطشوا في الطريق، فآثرهم وسقاهم، ومات عطشًا، فقيل فيه: "وما بلغ كعبٌ في السماحة كعبه". أما الملياردير كريستيانو رونالدو صاحب النعال الذهبية، فضاق بعد مباراة المغرب بصورةٍ طلبها منه معجب، فبخل بها ودفعه في صدره، فقد كان ثاكلًا ويريد أن يخلو بنفسه، ويبكي الذهب الذي فقده.

أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر