كاريش واستسهال الحرب
يطغى حديث الحرب في لبنان حالياً على كل ما دونها من أزمات اقتصادية ومعيشية تعصف بالبلاد منذ سنوات، وتزداد سوءاً مع مرور الأيام. حديث الحرب، اليوم، مرتبط بالصراع مع إسرائيل على حقل كاريش لاستخراج الغاز الطبيعي واقتراب الموعد الذي حددته دولة الاحتلال لبدء عمليات الإنتاج في سبتمبر/ أيلول المقبل. لا شك في أن الموعد مفصلي، والخلاف ليس سهلاً والتهديدات القائمة حوله جدية، وهو ما دفع إسرائيل إلى حشد قواتها على الحدود اللبنانية، تحسّباً لأي خطوة قد يقوم بها حزب الله ردّاً على بدء عمليات الإنتاج، في حال حصلت في موعدها.
لكن هل يعني كل هذا أن الحرب في طريقها إلى النشوب، وأن الأطراف المعنيّة بها، محلياً وإقليمياً ودولياً، جاهزة لهذا الخيار أو تريد حصوله؟ الإجابة جاهزة وواضحة لكل من يطّلع على المشهد السياسي العام بأبعاده المتعددة. لا يبدو أحد جاهزاً لحرب كهذه، لكنّ ذلك لا يعني عدم الحديث عنها، خصوصاً بالنسبة إلى حزب الله، الذي يدرك أن التذكير بقدراته العسكرية المتعاظمة يطرب مريديه في الداخل اللبناني، ويلهيهم إلى حين عن المعاناة اليومية التي يعيشونها بفعل الأزمات الاقتصادية وانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية وانعدام البنى التحتية من ماء وكهرباء.
هذه الأزمات هي من ضمن الأسباب التي تجعل حزب الله يفكر مئات المرات قبل الإقدام على أي خطوة غير محسوبة العواقب لجهة فتح حرب مع إسرائيل. هي ليست السبب الوحيد، لكنها أساسية في حسابات الحزب لتداعيات المواجهة على بيئته الحاضنة، والتي لم تعد كما كانت قبل عقد من الزمن، لا لجهة الالتزام الأعمى بكل ما يقوله أو يفعله الحزب، ولا لجهة الرضى عن الممارسات السياسية التي يقوم بها الحزب وتغطيته على المسؤولين عن الفساد في البلاد، وهو ما انعكس حركات احتجاجية غير مسبوقة في قرى جنوبية طاولت الحزب وأمينه العام.
كذلك يدرك الحزب أن البيئة اللبنانية الأوسع لم تعد حاضنة كما كان الحال في حرب 2006، على سبيل المثال. والأمر نفسه بالنسبة إلى البيئة العربية، الشعبية والسياسية. فإعادة الإعمار بعد تلك الحرب، والتي تولتها بعض الدول العربية، لم تعد متاحة مطلقاً، وأي تعويل على مساعدات خارجية للتغطية على الخسائر التي قد تسببها أي مواجهة غير متوفر، لاعتبارات سياسية في الدرجة الأولى، واقتصادية في الدرجة الثانية بفعل الركود العالمي والتضخم الذي لم يعف أي دولة من تداعياته.
وإذا أزحنا حزب الله جانباً، ماذا عن الأطراف الأخرى المعنية بهذه المواجهة المفترضة. هل إسرائيل مستعدة لحرب كهذه في ظل حالة الهشاشة السياسية التي تعيشها ومع اقتراب انتخاباتها المبكرة؟ قد تكون الحروب إحدى الوسائل التي تستخدمها الأحزاب الإسرائيلية في فترات حكمها لتعزيز حظوظها في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات، لكنها حروب كانت تنأى بالجبهة الداخلية الإسرائيلية عن آثارها، كالعمليات العسكرية، قصيرة وطويلة المدى، في الضفة الغربية وقطاع غزة. الأمر ليس نفسه في حال فتح باب المواجهة مع لبنان، مع يقين الدولة العبرية أن حزب الله يمتلك قدرات صاروخية تستطيع إيلام الجبهة الداخلية، حتى بوجود منظومة القبة الحديدية. بالتالي فإن نتائج الحرب في صناديق الاقتراع ستكون معاكسة لما كانت عليه الحروب أو العمليات العسكرية الآنفة الذكر، وستكون حساباتها خاسرة.
ماذا عن إيران، والتي شاءت أو أبت، ستكون طرفاً مسؤولاً عن أي مواجهة محتملة في نظر المجتمع الدولي عموماً والولايات المتحدة خصوصاً؟ طهران غير مستعدة أيضاً لتحمل هذه التداعيات، وهي الساعية إلى تقديم التنازل تلو الآخر في سبيل إحياء الاتفاق النووي، وإعادة ضخ السيولة النقدية إلى خزائن وزارة المالية. وإيران ليست حالياً في وارد تقويض المفاوضات التي اقتربت من نهاياتها السعيدة بالنسبة إليها.
لا يوجد أي طرف الآن، حتى الولايات المتحدة نفسها، مستعد أو راغب في إشعال جبهة المواجهة بين إسرائيل ولبنان، والجميع يدرك أن الحلول الدبلوماسية ممكنة ومرتقبة، وبالتالي فإن حديث الحرب والتهديد والوعيد ليس صالحاً إلا للاستخدام الداخلي، وفي مرحلة آنية قصيرة المدى.