قوانين وخطط لهند جديدة في انتخابات 2024
بدأ المواطنون الهنود، منذ 19 الشهر الماضي (إبريل/ نيسان) التوجّه إلى صناديق الاقتراع للتصويت لانتخابات "لوك سابها" (الغرفة السفلى في البرلمان الهندي أو مجلس النوّاب)، وتستمرّ العملية حتى إعلان النتائج الرسمية في الأول من الشهر المقبل (يونيو/ حزيران)، لاختيار برلمانٍ جديدٍ للسنوات الخمس المُقبلة.
تُعدّ العملية الانتخابية في الهند الأكثر تعقيداً في العالم؛ وتُجرى الانتخابات العامة فيها على سبع مراحلَ موزّعة بين 28 ولاية وثمانية أقاليم اتحادية، فهي تضمّ أكبر عددٍ من السكّان في العالم، يصل عددهم إلى مليار و426 مليون نسمة؛ متنوّعين ثقافياً ولغوياً وطائفياً ودينياً، ولعلّ هذا هو السبب وراء حصول الهند على لقب أكبر ديمقراطية. ولكن نظراً إلى طبيعة النظام الانتخابي في الهند، إلى جانب القوانين التي يُقرّها البرلمان، وتدخل حيّز التنفيذ بحُكْمٍ قضائي، ومن ثمّ تُدرج في الدستور، فهناك بعدٌ انتخابي قد يجعل "الديمقراطية الانتخابية" في الهند غير طوعيّة حقاًّ في الممارسة العملية.
بالإضافة إلى الانتخابات الوطنية الجارية حالياً في الهند، أجريِت انتخابات على جميع مستويات الحكومة في أوقات مختلفة؛ انتخابات لعضوية "راجيّا سابها" (الغرفة العليا للبرلمان - مجلس الولايات)، وكذلك للمجلس التشريعي لكلّ ولاية، ولإقليم الاتحاد، وانتخابات للرئاسة ولنائب الرئيس، كما تُجرى الانتخابات المحلّية للقرى والمدن، وتُترك الإدارة الميدانية في المنطقة وتقسيماتها لحكومات الولايات، وتخضع لإشراف المفوّضين المحلّيين.
الأصوات مقاعد برلمانية
من القضايا التي يجدُر الانتباه إليها لفهم الانتخابات الهندية عملية تحويل الأصوات إلى مقاعد برلمانية، أي آلية احتساب الأصوات للمُرشّحين الفائزين في المقاعد المُتنافس عليها. يبلغ عدد المواطنين الذين يحقّ لهم التصويت في هذه الانتخابات في الهند 969 مليون مواطن، وأنشئ ما يقرُب من مليون ونصف مليون صندوق اقتراع في جميع أنحاء الهند. وبلغ عدد الأحزاب السياسية المُسجّلة 2600، منها 537 حزباً نشطاً بالفعل. ويوضّح موقع الجزيرة الإنكليزية أنّ "الأحزاب التي تتمتّع بنفوذ كبير في المجالس التشريعية للولايات مُعتَرَفُ بها، في حين أنّ الأحزاب التي تتمتّع بحضور قوي في ولايات متعدّدة تحصل على تسمية الحزب الوطني. وتابع الموقع "أنّ رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزب بهاراتيا جاناتا، الذي يقود ائتلافاً يضمّ أكثر من 30 حزباً من أكثر عناصر المعادلة الانتخابية أهمّية في 2024، يُعدّ أبرز اللاعبين في الساحة الانتخابية، في مواجهة التحالف الذي يقوده حزب المؤتمر المعارض الرئيسي، الذي يضم نحو 20 حزباً".
تتطلب الأغلبية في مجلس النواب الحصول على 272 مقعداً من أصل 543 مقعداً منتخباً في البرلمان؛ في حين يُعيّنُ الرئيسُ الهندي العضويْن الباقيين من الجالية الأنغلوهندية
وتتطلب الأغلبية في مجلس النواب الحصول على 272 مقعداً من أصل 543 مقعداً منتخباً في البرلمان؛ في حين يُعيّنُ الرئيسُ الهندي العضويْن الباقيين من الجالية الأنغلوهندية، ويصل بذلك عدد أعضاء مجلس النواب حتّى 545 عضواً. وفي إطار أنظمة الأغلبية التعدّدية، تعتمد الهند نظام الأغلبية (البسيطة أو الضئيلة)، في عملية انتخاب أعضاء مجلس النواب، أي استعمال دوائر مُنفرِدَة العضوية، بمعنى اختيار مُرشّح واحد لكلّ دائرة، ويفوز بالمقعد البرلماني المُرشّح الذي يسجّل أصواتاً أكثر من أيّ من منافسيه. وفي هذا النظام، إذا جرى احتساب الفائز الأول بحصوله على أعلى نتيجة من أصوات الدائرة الانتخابية، مثلًا 20%، فلا يتم احتساب الأصوات المتبقية (80%) الموزّعة على باقي المُرشّحين. ولذلك، قد يمثّل الفائز نسبة ضئيلة جداً من عدد الأصوات في الدائرة الواحدة في المنطقة الانتخابية. بموجب هذا النظام، حصل حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا) على 31% من الأصوات، عندما فاز بسلطة حكم الولاية الأولى عام 2014، وحصل على 39% من الأصوات في عام 2019 عندما فاز بسلطة حكم الولاية الثانية. ما يعني أنّ الفوز بالسلطة هو أغلبية برلمانية، وليس أغلبية شعبية. هذا النظام من بقايا الاستعمار البريطاني الذي انتهى عام 1947، ورغم المعارضة القويّة التي تطالب باعتماد نظام انتخابي نسبي، فإنّه لن يحظى لذلك بدعم التغيير من الأحزاب الحاكمة؛ ويعيق هذا النظام وصول الأحزاب الصغيرة إلى النظام السياسي، والمستفيد الأول هو الأحزاب الكبيرة.
لا يتوقف الأمر عند رفض تغيير هذا النظام، بل يصل إلى حدّ استخدام الصلاحيات القانونية في الحسابات الانتخابية؛ بإقرار مشاريع قوانين عديدة، نجح بعضها في البرلمان ليصبح قانونيّاً وقابلاً للتنفيذ، وبعضها الآخر ينتظر دخولها حيّز التنفيذ، وهو ما قد يتطلب تغييراً جذرياً في الدستور، وسيكون لها تأثير كبير في الانتخابات الحالية.
وفقاً لشروط الانتخابات، فإنّ المواطن هو فقط، من يحقّ له الإدلاء بصوته في الانتخابات، وقد يتيح قانون الجنسية والمواطنة ذلك الحقّ فقط، للأقليات الدينية المُهاجرة
المواطنة والجنسية
أثار تعديل "قانون المواطنة والجنسية" جدلاً واسعاً في الهند، وانتقادات حادّة من مسلمي الهند؛ ففي ديسمبر/ كانون الأول 2019، مرّرت الحكومة الهندية عبر البرلمان "تعديل" قانون الجنسية والمواطنة لعام 1955؛ الذي يتيح، من بين أمورٍ أخرى، إمكانية حصول "الأقليّات الدينية" على الجنسية الهندية للمهاجرين من ثلاث دول مجاورة: باكستان وبنغلادش وأفغانستان، شرط أن يكونوا من الهندوس والمسيحيين والسيخ. ووفقاً لشروط الانتخابات، المواطن فقط من يحقّ له الإدلاء بصوته في الانتخابات، وقد يتيح قانون الجنسية والمواطنة ذلك الحقّ فقط للأقليات الدينية المُهاجرة المذكورة (بعد حصولهم على الجنسية)، وبذلك قد تُحرم أقليات دينية إسلامية (المسلمين المُهاجرين) من الحصول على الجنسية، ثُمّ من المشاركة في العملية الانتخابية. ورغم تعليق المصادقة على تعديل القانون وقت صدوره، إلا أنّ الحكومة الهندية عادت في مارس/ آذار الماضي إلى تنفيذ الإجراءات الرسمية لتعديل القانون، أي قبل الانتخابات العامة الوطنية الحالية.
وللتقسيمات الإدارية والأبعاد الدينية دورٌ في العملية الانتخابية. كمثال على ما تغيّر في هذا السياق؛ صدر في أغسطس/ آب 2019 مرسومٌ رئاسيٌّ يقضي بإلغاء المادة 370 والفقرة 35 من الدستور الهندي، التي كانت تمنح ولاية جامو وكشمير المتنازع عليها وضعاً إدارياً وسياسياً خاصّاً. وفي العام ذاته، في أكتوبر/ تشرين الأول، أصدرت الداخلية الهندية بياناً رسمياً يتضمّن "قانون إعادة التنظيم" لولاية جامو وكشمير، ونصّ على فصل منطقة لاداخ الواقعة شرق كشمير، ذات الغالبية البوذية عن الولاية. أمّا المناطق المُتبقيّة في الولاية، وتضم سهول جامو الجنوبية ذات الغالبية الهندوسية، ووادي سريناغار الشمالي ذا الغالبية المسلمة، فستصبح إقليماً اتحادياً، أي ستقسم المنطقة إلى (إقليميْن اتحادييْن): إقليم جامو وكشمير، وإقليم لاداخ، إضافة إلى التنظيم الإداري للمناطق الداخلية في الإقليم. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2023، صادقت المحكمة العليا في الهند على قرار الحكومة إلغاء "الحكم الذاتي" لولاية جامو كشمير.
يصوّت غالبية المسلمين في الانتخابات ضدّ مُرشحي حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا)؛ وقد تعرّضت هذه الأقلية الدينية لسياسات عنصرية من قبل هذا الحزب
ويغيّر هذا القرار المذكور سير العملية الانتخابية في ولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة. ومن خلال التقسيم الإداري للمنطقة والإقليم، يتم توزيع الطائفة الدينية الإسلامية، وهو ما يؤدّي إلى توزيع أصوات المسلمين في أكثر من دائرةِ اقتراعٍ بعد أن كانوا في دائرة واحدة في منطقة انتخابية موحدّة، وبذلك تنخفض نسبة أصوات المسلمين في الدائرة الانتخابية. قد يساعد هذا في جلب أصوات الطوائف الدينية الأخرى إلى الدائرة الانتخابية. ويصوّت غالبية المسلمين في الانتخابات ضدّ مُرشّحي حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا)؛ وقد تعرّضت هذه الأقلية الدينية لسياسات عنصرية من حزب الشعب الحاكم، كما في المثال أعلاه المتعلّق بتعديل قانون الجنسية والمواطنة. يُذكر أنّ حزب الشعب قدّم في عام 1999 توصيات بإلغاء المادة الخاصة بوضع جامو وكشمير، ولكنّ الأمر لم يحصل آنذاك بسبب عرقلةٍ برلمانيةٍ. ويترتّب على صدور القرارات البرلمانية والقضائية إعادة التقسيم الإداري، وإعادة توزيع الطوائف الدينية في داخل بعض المناطق للأقاليم والولايات الهندية، ما قد يُسيّس ويُقنّن العملية الانتخابية في داخل البلاد.
انتخابات متزامنة
أوصت، في مارس/ آذار الماضي، لجنة رفيعة المستوى تابعة للحكومة الهندية بإدخال تعديلاتٍ على الدستور لإجراء الانتخابات الوطنية والإقليمية معاً، أي انتخابات مُتزامنة مُشتركة من الهيئات المحلّية إلى البرلمان. ويعني ذلك أنّ الناخبين سيدلون بأصواتهم لانتخاب أعضاء على كل مستويات الحكومة دفعة واحدة أو خلال يومين على الأكثر. ويعتقدون "أنّ هذه الخطوة ستوفر الوقت والمال، في حين يسمح للأحزاب السياسية والحكومات بالتركيز على السياسة والإدارة". في المقابل، قال حزب المؤتمر الوطني الهندي (الكونغرس) المعارض الرئيس للّجنة، إنّ إجراء انتخاباتٍ مُتزامنةٍ سيؤدّي إلى "تغييرات جوهرية في البنية الأساسية للدستور"، ويتعارض مع "ضمانات الفيدرالية"، ويُفضي إلى "تخريب الديمقراطية البرلمانية". يمكن القيام بهذه الخطوة بواسطة تعديل الدستور "من دون الحاجة إلى موافقة المجالس التشريعية عليها في الولايات". ولكن من أجل مزامنة الأصوات للهيئات المحلّية مع الانتخابات العامة، تحتاج التعديلات على الدستور إلى التصديق من 14 ولايةً هنديةً، أي نصف ولايات الهند الـ 28. وفي هذه الحالة، إذا فاز حزب الشعب الهندي بالأغلبية المُطلقة في البرلمان، لن يتوقف الأمر على هذا الطرح الجديد (إجراء الانتخابات الوطنية والإقليمية معاً) فحسب، بل سيذهب إلى أبعد من ذلك.
من أجل مزامنة الأصوات للهيئات المحلّية مع الانتخابات العامة، تحتاج التعديلات على الدستور إلى التصديق من 14 ولايةً هنديةً، أي نصف ولايات الهند الـ 28
لن يُغفل المحلّلون السياسيون توقّعات بشأن محاولة حزب الشعب الهندي تحويل "الهند العلمانية" إلى دولة هندوسية رسمياً، وهو ما يتطلب بالتأكيد تغيير الدستور، الذي يؤكّد رسمياً أنّ الهند دولة علمانية. وأثارت الدعوات إلى عقد قمة مجموعة العشرين في سبتمبر/ أيلول 2023 تكهّنات بتغيير اسم جمهورية الهند رسمياً؛ وجاء التوقيع بـ"رئيس بهارات" بدلاً من "رئيس الهند" على الدعوات المُرسلة باللغة الإنكليزية، في حين يستخدم اسم "بهارات" في الوثائق الصادرة باللغة الهندية. وفقاً للدستور، فإنّ الأسماء الرسمية للهند هي "إنديا" (الهند) و"بهارات". وللهند اسم ثالث وهو "هندوستان"، ولهذا علاقة ببروتوكولات تسمية الدولة.
هناك قضايا ومُتغيّراتٌ كثيرة قد يطول الحديث عنها، وكلّها قد تقود إلى تسييس (وتقنين) العملية الانتخابية في الهند، التي بدورها تؤدّي إلى تقييد الديمقراطية في البلاد. ويرى المراقبون والمحلّلون "أنّه إذا فاز حزب الشعب الهندي في هذه الانتخابات للمرّة الثالثة على التوالي، فستكون الانتخابات الأخيرة النزيهة والحرّة في تاريخ الهند المستقلة". يشغل حزب الشعب الهندي الذي يرأسه ناريندرا مودي غالبية مقاعد البرلمان الهندي في مجلس النواب، بواقع 301 مقعد من أصل 543 مقعداً في المجلس. وفي هذه الانتخابات، يطالب حزب الشعب الهندي صراحةً الشعبَ بمنحَه أربعمائة مقعدٍ في البرلمان. وهو ما قد يسهّل سنّ القوانين وتمريرها عبر البرلمان بعد الحصول على الأصوات المطلوبة، فضلاً عن إجراء التعديلات الدستورية اللازمة لخدمة الحزب الحاكم في السلطة. ويعود الفوز المتوقّع لحزب الشعب الهندي بولاية ثالثة إلى عدد من الإجراءات والخطوات القانونية والدستورية، التي سبق اتّخاذها خلال حقبة الحكم في السلطة. وقد يتطلّب ذلك مزيداً من الاطلاع لمعرفة كيف تمكّن رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي من تكرار سيناريو الحكم ثلاث فترات متتالية، بعد أن كان رئيساً لوزراء ولاية غوجارات (غرب الهند) ما بين 2002 - 2014.