قنبلة ديموغرافية تنفجر قريباً

10 اغسطس 2014
+ الخط -


تهّجر والدي وحيداً إلى لبنان، إبان نكسة 1967. لكن أفراد عائلته تشتتوا بين الأردن والضفة الغربية، وبلاد أخرى، لا نسمع عنها في الأخبار. وسبقته إلى التهجير عائلة والدتي، عام 1948، منهم من لجأ في بلاد الطوق، أو عمل في دول الخليج العربي، وبعضهم كان، هو أو ظروفه، أميل إلى برد اسكندنافيا، فالتقى والديَّ في مخيم برج البراجنة جنوب بيروت، وكانت المصادفة خير موعد للزواج، مع أن الزفاف لم يحضره كل أفراد العائلة، إلا أن الفرح حينها، كما تقص أمي، كان واضحاً عبر "مراسيل الشوق والغياب"، في "ظروف المكاتيب"، فخلال الثمانينيات لم يكن راي توملينسون قد اخترع البريد الإلكتروني، أو مارك زوكربيرج قد ابتكر "فيسبوك". يتواصل من تبقى من العائلتين الآن عبر التكنولوجيا الحديثة، أصبحت المسافات قصيرة، وكذلك الأفكار. لكن العائلة الممتدة كبرت وتشعبت، كما الشعب الفلسطيني.. حيث يفيد جهاز الإحصاء الفلسطيني أن عدد الفلسطينيين قبل النكبة كان 1.43 مليون، تهجر منهم نحو 800 ألف. أما الآن، فالفلسطينيون يقارب عددهم 12 مليون. هذا يعني أن الشعب الفلسطيني تضاعف ثماني مرات منذ النكبة حتى عام 2014، على الرغم من إحصائيات تشير إلى استشهاد نحو نصف مليون فلسطيني منذ عام 1948.

تثير الحسابات الديموغرافية خوف إسرائيل، فالأرقام مرعبة للحكومة الإسرائيلية. ولو أجرينا عملية حسابية بسيطة، نجد أن حوالى 5.9 ملايين فلسطيني يعيشون على امتداد أرضهم التاريخية. ووصل عدد اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث "أونروا" حتى نهاية 2013، حوالى 5.35 ملايين لاجئ، يعيش حوالى 29 في المئة منهم في 58 مخيماً للاجئين، موزعين على الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وغزة، إضافة إلى وجود لاجئين كثر غير مُسجّلين.

في المقابل، يصل عدد الإسرائيليين إلى ستة ملايين، وقد هاجر، وفقاً لتقارير الهجرة المعاكسة، مليون نسمة خلال العشرة الأعوام الماضية. وواقع حال شتات اليهود، قبل الحرب العالمية الثانية، كان يشبه حال الفلسطينيين الآن، فنسبة اللاجئين 75 % من إجمالي الفلسطينيين. والمخيف أكثر لإسرائيل، أنه من المتوقع تعادل عدد السكان الفلسطينيين واليهود مع نهاية عام 2014، حيث سيبلغ ما يقرب 6.1 ملايين لكل من اليهود والفلسطينيين، داخل فلسطين، وذلك فيما إذا بقيت معدلات النمو السائدة حالياً على ما هي عليه. وستصبح نسبة السكان اليهود حوالى 48.2 % فقط من السكان، وذلك بحلول نهاية عام 2020 حيث سيصل عددهم إلى 6.7 ملايين يهودي، مقابل 7.2 ملايين فلسطيني، وفقاً لتوقعات مركز "الإحصاء الفلسطيني".

من هنا، ماذا سيفعل الطاقم الإسرائيلي حين تتفجر القنبلة الموقوتة؟ وتشعل فتيلها نساء فلسطين، كل دقيقة، فبحسب إحصائيات طبية فلسطينية، في كل دقيقة هناك مولود فلسطيني، أو ظهر نموه في أحشاء والدته. وعلى الرغم من الاستيطان والقتل اليومي والاعتقال التعسفي، والسعي إلى تحويل مبدأ "يهودية الدولة"، إلى واقع يعترف به العالم، لا يزال الفلسطيني ينجب.

وفقاً للمعطيات الحسابية، يصبح عدد اليهود مع نهاية العام 2020 أقل من 40% من السكان في فلسطين. أما داخل "الخط الأخضر"، الذي يضمّ نسيجاً بشرياً مكوّناً من 20% من فلسطينيي 48، ونحو 80% من اليهود، فتشير الدراسات إلى أن اليهود سيفقدون امتياز كونهم غالبية سكانية مع حلول العام 2048، وهو العام الافتراضي للاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس إسرائيل.

في هذا الصدد؛ تذكر صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن هناك إجماعاً إسرائيلياً على نزع فتيل ما سمّته "القنبلة الموقوتة"، أي الواقع الديموغرافي العربي في فلسطين، عبر خيارات ثلاثة، أولها، بالتخلص قدر الإمكان من الوجود العربي داخل الأراضي المحتلة عام 48، وهذا يتم عبر ترحيل قسري وهدم بيوت الفلسطينيين وتوطين اللاجئين الفلسطينيين خارج أرضهم. ثانيها يكون بالحد من التزايد الديموغرافي لفلسطيني الـ48، عبر قوانين خاصة وتسهيل سفرهم إلى الخارج. وثالثها، زيادة عدد اليهود داخل إسرائيل عبر أنشطة "الوكالة اليهودية" في استجلاب مزيد من يهود العالم إلى إسرائيل. وقد شرعت الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ هذه الخطوات، كما أن العنصرية تكثفت ضد فلسطيني 48، والترحيل وتدمير البيوت مستمر، ومشاريع الـ"ترانسفير"، كثيرة، من آلون إلى زئيفي، وأخيراً برافر.

قامت إسرائيل على كذبة "أرض الميعاد"، وأعطت الحق لنفسها بتزوير التاريخ وتنفيذ تطهير عرقي في فلسطين. واعتمدت على الشتات اليهودي، في جمع المال وشراء الذمم الاستعمارية في أوروبا والولايات المتحدة. وما يقوم به الفلسطينيون، اليوم، هو فضح ما قامت به إسرائيل، تمهيداً لإنهاء شتاتهم، الذي خُلِقَ لإنهاء الشتات اليهودي. 

في خلاصة القول، تتهيأ الظروف لإنهاء دياسبورا الفلسطينيين، ويبدون الآن أقرب إلى التجمع بعد التشتت الطويل، خصوصاً أن قنبلة الديموغرافيا ستنفجر قريباً. لكن شظاياها ستتجمع في فلسطين.

صمود غزال
صمود غزال
صحافية فلسطينية لاجئة في لبنان. من فريق موقع العربي الجديد قسم السياسة.