قطط دينغ شياو بينغ في المغرب
عندما سمعتُ من الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المغربي المعارض، إدريس لشكر، يقول لي، في مكتبه في مقرّ الحزب في حي الرياض بالرباط، إنه يطالب الحكومة الحالية في بلاده بأن تتّبع سياسةً ليبرالية حقيقية، رميتُ عينيّ إلى تمثالٍ صغيرٍ للينين، على أحد رفوفٍ خشبيةٍ قُدّامي، ثم أوضح أنه يقصد توسّع الحرّيات الفردية والعامة، وأفاد بأن حزبه (الاشتراكي) لمّا كان في الحكم قاد أكبر عملية خوصصة (أو خصخصة) في البلاد. وصودف أن زعيم الحزب الأول في المعارضة (87 مقعداً في مجلس النواب من 395) كان يحدّثني بهذا، أياماً، بعد حديثٍ لرئيس الحكومة، الملياردير، عزيز أخنوش (حزب التجمّع الوطني للأحرار) توجّه به إلى فريق (كتلة) الاتحاديين في مجلس النواب، بالقول (بالدارجة المغربية المطعّمة بشيءٍ من الفرنسية) إنه وحكومتُه وحزبُه ليسوا ليبراليين، وإنما ديمقراطيون اجتماعيون، وإن برنامج حكومته أن يكونوا هكذا، إيماناً بالمشروع الديمقراطي الاجتماعي، والذي هو مشروع الملك محمد السادس، غير أنه خاطب هؤلاء النوّاب، يسألهم عمّا يفعلونه في المعارضة، فيما برنامج الحكومة هو في صميم مشروعهم السياسي الذي يتبنّاه هو شخصياً، على ما قال. وليس مؤكّداً ما إذا كان الرجل يمزَح أم يسخر من معارضيه هؤلاء، فلم يَبدُ على تقاسيمه هذا أو ذاك.
لقائلٍ أن يقول إن هذا الجدال العارض في المغرب يدخُل في إطار "البوليميك" (المناوشات السياسية والسياسوية) المعهود بين الأحزاب في المعارضة والحكم، سيّما وأن المشهد السياسيَّ العام في المملكة يخوض، منذ أيام، في أخذٍ وردٍّ، وفي سجالاتٍ، بشأن ما قدّمه أخنوش، أخيرا، أمام البرلمان، عن حصيلة نصف مدّة ولاية حكومته، وقد قال إن "الإنجازات فاقت التوقّعات"، وإن الحكومة انتقلت إلى "شرعيّة الإنجاز بعد شرعيّة الاقتراع"، غير أن المعارضة، ومعها تكويناتٌ وهيئاتٌ مدنيةٌ ونقابيةٌ وناشطة، لم ترحم الحكومة من التقريع والتكذيب وما بينهما. ولكن الأهم من هذا كله أنّ في الوسع أن يُقال، أيضا، إن تصنيف الأحزاب، في الموالاة والمعارضة، بألوانٍ أيديولوجيةٍ، لم يعُد يحيط بالتوصيف الدقيق (الصحيح تماما) لكلٍّ منها، فلم تكن حكومة الإسلامي عبد الإله بنكيران، عندما طلبت، قبل نحو عقد، قرضيْن من صندوق النقد الدولي، تتمايًز، في هذا، عن أي حكومةٍ يرأسها رجلٌ من قماشة أخنوش أو غيره. وجاء لافتاً في إجابات ثلاثة قياديين حزبيين في المعارضة (بينهم لشكر) وقياديٍّ في حزبٍ بالحكومة، سؤالي لهم عن أسباب تراجع الحياة الحزبية في البلاد، أنها تكاد تكون واحدةً، من فرط التشابه بينها. وهذا مدير النشر والتحرير لصحيفة الاتحاد الاشتراكي، الصديق عبد الحميد اجماهيري، يكتُب في الصحيفة، تعليقاً منه على "تبرّؤ" رئيس الحكومة من الليبرالية، "ليبراليون ويساريون وإسلاميون ومحافظون ومحافظون برجوازيون وصوفيون وأعيانٌ وكل الفصائل توافقت على مشروعٍ مجتمعيٍّ يقودُه الملك، بعد أن حقّق توافقاً وطنياً كبيراً وواسعاً".
تسمع، وأنت تزور الرباط، عن مشاريع كبرى يشهدها المغرب، في أفق انتظار مشاركته في تنظيم كأس العالم، وتُشاهد في الرباط ورشة بناء مدينةٍ طبيّةٍ كبرى متكاملةٍ قيد الإنشاء، وتسمع أيضاً عن محاربة نشطةٍ للفقر والبطالة، بحسب إمكانات الدولة، وعن معالجاتٍ مُرضيةٍ لتداعيات واقعة زلزال سبتمبر الماضي، بالإضافة إلى انتقاداتٍ لا تتوقّف لسياساتٍ وخياراتٍ حكوميةٍ غير قليلة. وفي المختتم، تزداد اقتناعاً بقولة رئيس الصين دينغ شياو بينغ بين 1978 و1992، في اجتماعٍ للحزب الشيوعي في 1961، في غضون خلافاتٍ بشأن الطرق الأمثل لتطوير الإنتاج الزراعي، "ليس المهمّ لونُ القط، أبيض أو أسود، المهمّ أن يأكُل الفئران"، فلا توحي لك نقاشاتُ المغاربة بأنهم معنيّون بليبراليّة عزيز أخنوش، أقام عليها أو خلعها قدّام معارضين لحكومته في البرلمان، ولا في اشتراكيّة إدريس لشكر الملتبسة، ولا في إسلاميّة بنكيران (أو إسلامويّته بحسب بعضهم)، إنما معنيّون بالقطط التي تأكل الفئران، وإنْ يتحدّث كثيرون منهم عن قططٍ سمانٍ في بلادهم تأكُل ما ليس لها. هم معنيّون فقط بالمُنجز المنظور، بالنموذج التنموي متحقّقا، ببطالةٍ أقلّ وخدماتٍ أحسن في الهوامش والأرياف والقرى، معنيّون بقططٍ تؤدّي أفضل في مواقعها، أيا كان لونها الأيديولوجي. والقناعة من قبلُ ومن بعد أن التآلف بين العروبة والأمازيغية، بين الإسلام والعصرنة، بين الكلّ الوطني، ممكنٌ دائماً، على ما دلّت شواهد ووقائع بلا عدد.