قصة بسيطة جداً!

04 يوليو 2022

(هدى بعلبكي)

+ الخط -

في معرض تعليقه على جريمة قتل الطالبة إيمان ارشيد التي هزت الشارع الأردني، وفي تصريحاتٍ لا يمكن وصفها إلا بأنها مستفزّة، صدرت عن رئيس إحدى الجامعات الأردنية في لقاء رؤساء الجامعات مع لجنة التعليم والشباب في مجلس النواب، لغايات نقاش منظومة الأمن في الجامعات، أفاد سعادته: "ما حصل مشكلة خاصة، وهي أمر بسيط جداً، يحدُث في أميركا كلّ يوم. في الهاي سكول إطلاق نار يذهب ضحيته عشرات الأرواح، لكننا نهوّل الأمور، ونبالغ في ردود أفعالنا"! أثارت تصريحات هذا الأكاديمي المسؤول جدلاً واسعاً واستهجاناً كبيراً في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الإخبارية وفي المجالس الخاصة، بل اعترض حاضرون في الاجتماع على هذا الطرح غير المسؤول، والذي ينم عن استخفاف كبير بحجم المآساة التي ألمّت بعائلةٍ فقدت ابنتها العشرينية في فاجعةٍ لم نستيقظ من هولها بعد. وفي بيان توضيحي أصدره رئيس الجامعة، لم نعثر في البيان كله على كلمة أسف، إن خانه التعبير مثلاً، بل قال: "لم يخن التعبير لساني لكن خان من أَوّل ونقل وفسّر". وكأنّ الاعتذار الواضح الصريح الشجاع بات مسبّة في حقّ المسؤول! 
طيّب، أيها الأكاديمي التربوي الإنسان، سلمنا معك أنك لم تقصد الاستخفاف بحجم المصاب، لكن تصريحاتك غير القابلة للتأويل من فرط مباشرتها سبّبت الأذى لمشاعر كثيرين، وفي مقدمتهم ذوو المغدورة، وكان عليك أن تبادر إلى الاعتذار قبل البيان التوضيحي غير الموفق. لكن، يبدو أنّ الأولوية لديك كانت الدفاع باستماتة عن حقيقة تقصير إدارة الجامعة في حماية الطلبة، وبالتصدّي، بحسب تعبيرك، لمحاولات الإساءة المتتالية للجامعات في الأردن، وإشاعة حالة من الهلع لدى أهالي الطلبة الأردنيين والعرب والأجانب وضرب سمعة جامعات الأردن ومؤسساته التعليمية التي ترى، من موقعك، أنّها كانت وما زالت ويجب أن تظل منارة وأنموذجا للجامعات في المنطقة والعالم! غير أنك تؤكّد حالة الاستخفاف التي أنكرتها في بيانك التوضيحي كذلك، حين تصف الجريمة الشنعاء بأنّها سابقة تكاد لا تُذكر مقارنةً مع ما يحدث في جامعات العالم. 
ولا يقلّ استشهادك بحوادث العنف في الغرب فجاجة وفداحة عن وصفك جريمة قتل إيمان ارشيد بأنها بسيطة جداً. ويا ليتنا، حين نريد طرح الغرب نموذجاً يُحتذى به، أن نفعل ذلك في حقول العلم والمعرفة والتقدّم التكنولوجي وأساليب التعليم الجادّة المتطوّرة، ثم إن حدوث ذلك العنف في الدول المتقدّمة ليس مبرّراً منطقياً، نستند إليه في تبرير دخول قاتل مسلّح حرم الجامعة بكل سهولة، من دون أن يخضع لأيّ إجراءات أمنية، مثل التفتيش والتحقق من الهوية، كي لا نستند، من دون أي إحساس بالمسؤولية، إلى أعذار أقبح من الذنوب كلها، في تلك الدول التي أشار إليها الأكاديمي المسؤول، يصار إلى إقالة الإدارة ومساءلتها لإهمالها وتسيّبها، ويتم تحميلها المسؤولية الجنائية والإدارية والأخلاقية. وغالباً ما يبادر المسؤول هناك إلى الاستقالة من تلقاء نفسه، من باب تحمّل المسؤولية، وإقراراً بالخطأ واحتراماً لمشاعر ذوي الضحايا. أما في اليابان فقد يقدم المسؤول على الانتحار خجلاً، كما حدث عام 2007 لوزير الزراعة والغابات والثروة السمكية الياباني الذي أقدم على الانتحار ساعاتٍ قبل مساءلة البرلمان له، بسبب فضيحةٍ تتعلق بتبرّعات سياسية وعقود مزوّرة. 
لا نفترض بالمسؤول العربي أن يُقدم على الانتحار، لا سمح الله، ونعرف مدى تعلّقه المرضي بالكرسي، لا ضير من إبداء التعاطف الإنساني الحقيقي، بعيداً عن حسابات الربح والخسارة. تُرى، لو تخيّل هذا الأكاديمي العريق أنّ الضحية ابنته أو من أفراد عائلته، عندها قد يفكر قليلاً قبل أن يقول إنّ "القصة بسيطة جداً" لأنّ حياة صبية مغدورة مسلوب عمرها غيلة وغدراً وجبناً وخِسّة أعلى وأغلى من أي اعتبار، ولتذهب السمعة التي تتشدّقون بها إلى الجحيم.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.