خلفيات قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وتداعياته

02 سبتمبر 2021

(فرانس برس)

+ الخط -

أعلنت الجزائر في 24 آب/ أغسطس 2021 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب مع الإبقاء على العلاقات القنصلية. وتأتي هذه الخطوة في سياق تزايد التوتر على نحو واضح في الشهور الأخيرة؛ نتيجة تضافر جملة من العوامل والتطورات البينية، بعضها مستند إلى خلافات تاريخية وحدودية، وبعضها الآخر مرتبط بمستجدات إقليمية ودولية.

تاريخ من التوتر

تعود التوترات بين البلدين بجذورها إلى المسألة الحدودية، الموروثة عن الاستعمار الفرنسي، والتي أفضت إلى مواجهة مسلحة (حرب الرمال عام 1963). وكان سببها الرئيس تعارض موقفي البلدين؛ فقد تمسّك المغرب بمبدأ الحق التاريخي، في حين تمسّكت الجزائر بمبدأ عدم المساس بالحدود القائمة. وتوصل البلدان إلى وقف لإطلاق النار، بعد تدخل جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية، لكن الحرب تركت أثرًا بالغًا في العلاقات بين البلدين. وفي عام 1975، تجدّد التوتر مع انسحاب قوات الاستعمار الإسباني من منطقة الصحراء الغربية وانضمامها إلى المغرب، وإعلان الجزائر دعمها "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" المعروفة اختصارًا باسمها الإسباني "البوليساريو"، والتي تناهض ما تعتبره احتلالًا مغربيًا للصحراء الغربية، وتسعى إلى إنشاء جمهورية مستقلة خاصة بها فيها. وقد أدّى ذلك إلى اندلاع اشتباكات حدودية بين الجزائر والمغرب عام 1976، تلاه اعتراف الجزائر بإقامة الجمهورية الصحراوية على أراضي الإقليم. وبعد تفجير في مدينة مراكش المغربية عام 1994، واتهام المغرب جزائريين بالتورّط فيها، قرّرت الجزائر إغلاق حدودها البرّية مع المغرب، وكرد فعل على قرار الملك الحسن الثاني حينها فرض تأشيرة دخول على الجزائريين. وفي عام 2017، شكّلت عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي تحولًا إيجابيًا في سياسته الخارجية الأفريقية، وذلك بعد انسحابه من منظمة الوحدة الأفريقية عام 1984، بسبب اعترافها بجبهة البوليساريو. ومنذ ذلك الحين، يجري التعامل بين البلدين وفق دبلوماسية الحد الأدنى.

أسباب قطع العلاقات

تعدّ هذه المرة الثانية التي تُقطع فيها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ استقلالهما (المغرب عام 1956، والجزائر عام 1962). وكانت العلاقات قطعت بين البلدين في المرة الأولى بقرار مغربي عام 1976. وسوّغت الجزائر قرارها قطع العلاقات الدبلوماسية باستمرار المغرب في تبنّي سياسات عدائية تجاهها، في إشارة إلى جملة من القضايا والتطورات أهمها:

1. تصويت البرلمان المغربي، في كانون الأول/ يناير 2020، على قانونَين، يهدف أحدهما إلى إنشاء آثار الاختصاص القضائي للمغرب على مجاله البحري، وينصّ الآخر على إحداث منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية. وقد أثار ذلك استياء الجزائر وجبهة البوليساريو؛ فقد دانت هذه الأخيرة ضم مياه الصحراء المتنازع عليها إلى المياه الإقليمية المغربية، في حين اعتبر المغرب أن ترسيم الحدود البحرية قرار سيادي، فالمياه الإقليمية تشكّل امتدادًا طبيعيًا لمبدأ وحدة التراب المغربي بالنسبة إليها.

تعود التوترات بين البلدين بجذورها إلى المسألة الحدودية، الموروثة عن الاستعمار الفرنسي

2. تدخّل المغرب عسكريًا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 في الكركرات (منطقة عازلة بين الصحراء الغربية وموريتانيا)، ردًا على توغّل عناصر مسلحة تابعة لجبهة البوليساريو؛ وهو عملٌ اعتبرته الجبهة، ومن خلفها الجزائر، انتهاكًا لوقف إطلاق النار الموقّع عام 1991 برعاية الأمم المتحدة بعد 16 عامًا من الصراع المسلح بين المغرب والبوليساريو.

3. استدعاء الجزائر سفيرها في الرباط، ردًّا على دعوة السفير المغربي في الأمم المتحدة، خلال اجتماع دول مجموعة عدم الانحياز في 13 و14 تموز/ يوليو 2021، إلى "استقلال منطقة القبائل" الجزائرية، إثر إعلان وزير خارجية الجزائر مجدّدًا دعم بلاده حق الصحراء الغربية في تقرير مصيرها. وكانت تلك المرة الثانية التي يعلن فيها المغرب رسميًا دعمه المطالب الانفصالية التي تنادي بها حركة استقلال منطقة القبائل MAK التي تصنفها الجزائر تنظيمًا إرهابيًا، والتي تتهم الجزائر كلًا من المغرب وإسرائيل بدعمها. 

اتهمت الجزائر المغرب باستخدام برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي للتجسّس على مسؤولين جزائريين

4. اتهام الجزائر المغرب باستخدام برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي للتجسّس على مسؤولين جزائريين، فقد أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بيانًا تُبدي فيه "قلق الجزائر العميق بعد الكشف عن قيام سلطات بعض الدول، وعلى وجه الخصوص المغرب، باستخدام واسع النطاق لبرنامج التجسّس المسمّى بيغاسوس ضدّ مسؤولين ومواطنين جزائريين". وكانت وسائل إعلام فرنسية نشرت اتهامًا فرنسيًا للمغرب باستخدامه في التجسس على مسؤولين فرنسيين. ونفى المغرب التهم على نحو قاطع.

5. امتناع المغرب عن دعم الجهود الدبلوماسية الجزائرية لمنع انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي بصفة عضو مراقب، فضلًا عن زيارة وزير خارجية إسرائيل، يائير لبيد، الرباط، في 11 آب/ أغسطس 2021، حيث أدلى بتصريحات استفزّت الجزائر، مفادها بأن إسرائيل والمغرب يتقاسمان القلق إزاء الدور الذي تؤدّيه الجزائر في المنطقة وتقاربها مع إيران والحملة التي تشنها ضد قبول إسرائيل عضوًا مراقبًا في الاتحاد الأفريقي.

6. اتهام الجزائر للمغرب بالتورّط في الحرائق التي اجتاحت شمالي البلاد منتصف آب/ أغسطس 2021؛ إذ ذكرت أن تلك الحرائق، خصوصا في منطقة القبائل، من تدبير جماعات وصفتها بأنها إرهابية، يدعم المغرب إحداها؛ وكان المجلس الأعلى للأمن الجزائري قد قرّر إثرها "تكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية".

المواقف المحلية والدولية

في حين شهد المغرب اصطفافًا للقوى السياسية وراء الحكومة، في اعتبارها القرار استمرارًا للعداء الجزائري للمغرب، تفرّدت حركة مجتمع السلم في الجزائر بانتقاد القرار الذي وصفته "بالمتسرّع"، وأنه كان يجب على السلطة أن تجري مشاوراتٍ بشأنه مع الشركاء السياسيين في الموالاة وفي المعارضة. خلاف ذلك، انتقل الاستقطاب إلى المستوى الشعبي داخل البلدين حيث يؤيد كلٌ حكومتَه.

تميل الجزائر إلى عدم تجديد عقد استغلال أنبوب الغاز الأوروبي - المغاربي؛ ما يعني حرمان المغرب من امتياز تحصيل رسوم العبور في شكل غاز طبيعي

أما المواقف العربية والدولية، فاكتفت بالإعراب عن الأسف لصدور القرار والدعوة إلى الحوار بين الطرفين، باستثناء إيران التي اعتبرت، عبر سفيرها في الجزائر، أن "الأسباب التي أدّت بالجزائر إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب هي التي يجب أن تحظى بالاهتمام وليس القرار في حد ذاته"، في إشارة إلى التطبيع المغربي - الإسرائيلي. أما الاتحاد الأوروبي الذي له مصالح كبيرة في المنطقة، وتعتمد بعض دوله على إمدادات الغاز الجزائرية المارّة بأراضي المغرب، فلم يتخذ مواقف واضحة من التدهور الحاصل في العلاقات بين البلدين، أو خطوات ملموسة للحد من تداعياته، في مؤشر على الاعتياد والتأقلم مع هذا النوع من الخلافات المزمنة بين البلدين الجارين.

التداعيات الإقليمية

فضلًا عن إسهام قطع العلاقات بين البلدين في تفاقم حالة التوتر والانقسام بين أكبر بلدين عربيين في المنطقة، يعاني كلاهما تحدّياتٍ اقتصادية واجتماعية عديدة، يُتوقع أن يؤدّي إلى جملة من التداعيات، أبرزها:

1. تزايد حدّة التنافس الإقليمي بين البلدين، بما في ذلك سباق التسلّح المستعر أصلًا بينهما. وما سيغذّي هذا التنافس ليس القرار في حد ذاته، وإنما السياقات التي أدّت إليه. ويأتي التطبيع المغربي - الإسرائيلي في صدارتها؛ فتصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي المشار إليها آنفًا تؤكد أنه لا يمكن أن يكون للوجود الإسرائيلي في المنطقة أثر إيجابي في العلاقات بين البلدين، وبين الدول العربية عمومًا. 

تزايد حدّة التنافس الإقليمي بين البلدين، بما في ذلك سباق التسلّح المستعر أصلًا بينهما

2. استمرار استعصاء مسألة الصحراء الغربية على الحل، والتي يصرّ المغرب (قيادة وشعبًا) على أنها جزء لا يتجزأ من ترابه الوطني، بينما تتعامل معها الجزائر بوصفها خاضعة لمبادئ سياستها الخارجية، وقضية دولية مطروحة على جدول أعمال الأمم المتحدة. ومن شأن هذا الاستعصاء أن يغذّي التنافس بين البلدين لتحقيق مكاسب داخل الإقليم، لكن عبر سياسة التحالفات مع قوى من خارجه.

3. تقويض مشاريع التعاون الاقتصادي المشتركة بين البلدين؛ وقد بدأ هذا توًا إثر إعلان الجزائر في نيسان/ أبريل 2021 عن تراجعها عن اتفاقية التعاون مع المغرب الموقعة عام 1972 من أجل استثمار غاز منطقة جبيلات، الواقعة جنوب غرب الجزائر، وتوقيع مذكرة تفاهم مع ائتلاف شركات صينية، في آذار/ مارس 2021، بدلًا من ذلك.

حل الخلافات يحتاج إلى تغير جذري في مقاربة البلدين بعض القضايا موضع الخلاف

4. تميل الجزائر إلى عدم تجديد عقد استغلال أنبوب الغاز الأوروبي - المغاربي، الممتد من الجزائر نحو أوروبا مرورًا بالمغرب، والذي يزوّد أوروبا بالغاز الجزائري؛ ما يعني حرمان المغرب من امتياز تحصيل رسوم العبور في شكل غاز طبيعي. وقد أكّدت وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية، بعد يومين من إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية، أن جميع إمدادات الغاز الطبيعي نحو إسبانيا ستتم عبر أنبوب "ميدغاز" الذي يربط الجزائر بإسبانيا مباشرة عبر البحر المتوسط. وعلى الرغم من عدم صدور بيانات رسمية بشأن خسائر الاقتصاد المغربي جرّاء هذا القرار، فإن ذلك من شأنه الإضرار بإمدادات المغرب من الغاز الطبيعي.  

خاتمة

ستظل التراكمات التاريخية، والخلافات الحدودية، والخيارات الإقليمية، تحكم طبيعة العلاقات المغربية - الجزائرية، كما كانت تفعل على مدى عقود. لكن استمرار التوتر والعداء ليس قدرًا محتومًا بينهما أيضًا. فبين البلدين الجارين مصالح كبرى ومشتركاتٌ ليست قليلة، يمكن الانطلاق منها والبناء عليها نحو علاقاتٍ أكثر إيجابية. لكن الوصول إلى هذه النقطة يتطلب سحب أسباب التوتر الراهن الذي أدّى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وربما يفترض أن يكون الهدف المرحلي التعايش واستقرار العلاقات أو تطبيعها نسبيًا على الرغم من الخلافات، فحل الخلافات يحتاج إلى تغير جذري في مقاربة البلدين بعض القضايا المذكورة أعلاه، انطلاقًا من خيار استراتيجي مفاده ترجيح كفّة تفضيل العلاقة بين البلدين على هذه القضايا الخلافية، وإخضاع موقف كل دولةٍ من هذه الخلافات للعلاقة بين البلدين والشعبين الشقيقين.