قبلة الوزيرة
تقف الوزيرة المغربية على بَنانِ قدميها، لتبلغ طول رفيقها، من أجل قبلة، غافلة عن العيون المترصّدة خلف الكاميرا. من سوء حظ الوزيرة أنّ العيون كانت على رفيقها، وإلّا لما علم أحدٌ في بلادها بالقبلة، ولا بشجونها. كان يمكن أن تمرّ اللحظة بلا أثر. ولكن لأن الوزيرة وزيرة طاقة ومعادن، لا غيرها، فقُبلتها غير باقي القبلات، لأنّها أولاً ذات أبعاد طاقيّة، بسبب طرفيها. ثانياً، لأنّها قبلة سياسية معرّضة للضوء الساطع، حسب موازين القوى.
سواء أكانت الطاقة المعنية بالقبلة متجدّدة، بريئة من مخاطر التلوّث، أم تقليدية تؤدّي إلى الاحتباس الحراري، فقد أدّت إلى تضرّر طبقة الأوزون في حياة وزيرة "الانتقال الطاقي" ليلى بنعلي. وردّها بأنّها تتعرّض منذ فترة لضغوط، منها هذه الصورة المزعومة، دليل على ذلك. الواقع أنه لا حرج على السّيدة أن تعيش حياتها. فهي ليست من حزبٍ له خلفية دينية، يستغلها سياسياً، ولم تخطُب بالعفة بين الناس. ولكن الحرج يكمن في الطاقة التي أشعلت القبلة.
الطريف في الواقعة دخولها في ظاهرة لجوء السياسيين إلى باريس، بعيداً عن رادار العيون الفضولية، كأنها جزيرة بعيدة. بينما هي فخّ قريبٌ ينتظر كل ذي حساب سياسي. طبعاً، لا تصطاد الكاميرا الجميع، فهناك من تُغمَضُ عنهم العيون، وهناك من يقودُهم سوء الحظ إلى فخ الكاميرات والعيون.
أثارت قبلة الوزيرة الاهتمام أكثر من لوحة "القبلة" للنمساوي غوستاف كليمت، التي صُكّت من أجل ذكراها عام 2003 عملة من فئة مائة يورو. لكن، لن تُصكّ لوحات تخلّدُ لحظة فارقة في حياة سياسية خاملة، خالية من التوابل، بعدما غاب عن الواجهة عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، اللذان كانا محط الفكاهة السّياسية، التي لم تكن تخلو من تحامل. بغض النّظر عن الأحكام التي رأت أن الوزيرة يجب أن تكون أكثر مراعاة لمنصبها، ولبلدها "الغيور على بناته". لقد ورد هذا التعبير بالفعل لدى معلّقين، "خائفين" على سمعة البلاد، ولم أخترعه.
سرّ ثقل وزن القبلة يكمن في الطرف الثاني في "الصورة المزعومة"، وهو الملياردير الأسترالي أندرو فوريست، وهو صاحب شركات عملاقة في مجال الطاقة الخضراء والمعادن، فوجود علاقة بين صاحب شركة وقّعت عقوداً لتزويد البلاد ببعض المصادر الطاقية، والمسؤولة الأولى عن الطاقة في البلاد، أمر غير محمود في أحسن الأحوال.
يجدُر الذكر أن الصورة لم تُظهر وجه الوزيرة، التي نفت في بلاغ (بيان) لها أن تكون هي المرأة ذات القبلة، لذا افتقرت القُبلة لإثبات الهوية. كما أن الصحيفة الأسترالية "ذا أستراليان"، لم تنشر مزيداً من الصور، وكان بإمكانها فعل ذلك. طالما أن المصوّر لن يكتفي بصورة واحدة، فلا شك أن لديه لقطات أخرى للعاشقين، حتى وهما خارج لحظة كهربائية كهذه. ما يؤكّد كلام الوزيرة أنها ورقة ضغط، للامتناع عن نشر ما يؤكّد هوية صاحبة القبلة. وتبقى القبلة شهادة على أن قبلة السّياسي (السياسية هنا) قد تكون مصدر إشعاع قوي، إذا لم تجرِ إحاطتها بجدران سميكة.
حذفت الصحيفة الصورة لاحقاً، لكن موقعاً مغربياً تلقى المشعل وتولى التّحليل، بلفت الانتباه إلى حذاء الوزيرة، الذي يطابق حذاء السيدة صاحبة القبلة، فهي على ما يبدو تفضّل هذا النوع من الأحذية. مع العلم أن التسريحة هي تسريحة الوزيرة، مع نوعية اللباس الذي تفضّله...
انطفأت القضية مع "بلاغ" الوزيرة، ولم نعرف تأثيراتها الطاقية، وهذا الذي يهمّنا. لكن المجتمع تهمّه القبلة، ولا يُستبعد أن تغادر الوزيرة الحكومة في أي تعديل وزاري محتمل، فالوسط السياسي يتسامح مع المصالح السياسية، لكنه لا يتسامح مع ما يفعله فردٌ "بالهيبة السياسية"، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بامرأة.
ربما لو لم تنفِ الوزيرة أن تكون هي من في الصورة، وأكّدت على عدم تعارض خياراتها الشخصية مع مهامها. خاصة أنها خبيرة طاقة، وأيّ تواصل بينها وبين ثريّ الطاقة قد يكون سابقاً لأيامها في الوزارة. لو لم تنفِ القبلة، لحقّقت نصراً سياسياً، لكنّ لحمَ السياسة مرّ، ولا يقبل بالتوابل الحارّة، ولا بشرارات ترفع حرارة خريف الحكومة القادم.