في وداع القامة المسرحيّة خالد الطريفي
خبر فاجع مؤلم صادم تلقاه جمهور المسرح في الأردن. ساد حزن كبير في وسط الفنانين برحيل كبيرهم الذي علّمهم الألق والجمال، الممثل الفذّ والمخرج البارع والكاتب المتميّز خالد الطريفي الذي غادر عالمنا أخيراً بعد صراع لم يدم طويلاً مع مرض السرطان الذي قال كلمته الأخيرة، حين سلبنا واحداً من أهم أعمدة المسرح. وقد نعته وزيرة الثقافة الاردنية، هيفاء النجار، في بيان جاء فيه: "نتألم لرحيل مبدع وخبير مسرحي قدّم جهده في سبيل خدمة عشّاق المسرح، كان صاحب رؤية ومنهج متميز".
كان خالد، بالإضافة إلى تاريخه الفني الكبير والثري والمتنوع، استثنائياً لا يشبه أحداً، يتمتع بكاريزما عالية وحضور قوي لافت. تميّزت شخصيته بالعفوية والتلقائية والبراءة وسرعة البديهة، وخفة الظل والحسّ الإنساني المرهف، ما جعله محبوباً من الجميع. ما إن يلاقيك في ردهات المسرح، حتى يبادرك: كل عام وأنت بخير. تحيّته المعتمدة للجميع. لم يعتد تلاميذه من الشابات والشبات المبدعين الذين تعلّموا على يديه أسرار العمل المسرحي مخاطبته بكلمة أستاذ، كما تقتضي الأصول، بل ظلّوا ينادونه "يابا"، اللقب الأحب إلى نفسه، لأنه كان لهم أباً بالمعنى الحقيقي، يغدق عليهم العطاء والاهتمام والمحبّة والتشجيع والدعم. وهو الفنان المثقف، المشتبك مع تفاصيل الحياة بعينٍ مرهفة بالغة الحساسية، المتفاني حد العشق لخشبة المسرح.
تميّز الطريفي بحسّ سخريةٍ لاذع، وظفه في أعماله شديدة التميّز، سواء في المسرح أو في التلفزيون، وأثبت حضوره ممثلاً من طراز ثقيل، متمكّناً من أدواته، قادراً على اعتناق الشخصية دون أي افتعال. ظلّ قريباً، في جميع أعماله، من نبض الشارع، وعبّر ببراعة عن هموم الناس وأحزانهم، وحظي باحترام الوسط الثقافي والفني ومحبته وتقديره. وظلّ طوال حياته حرّاً مستغنياً، زاهداً عزيز النفس، فلم يتقن لعبة العلاقات العامة. لم تكن النجومية، وهي نقطة ضعف الفنانين، هدفاً جدّياً بالنسبه إليه، فلم يهتم يوماً بتحقيق المكاسب واللهاث وراء الأدوار.
قدّم خالد الطريفي خلال مسيرته الفنية الطويلة أعمالاً درامية عديدة، عميقة وجادّة، على مستوى الإخراج والتمثيل والكتابة، لعل أهمها مسرحياته "فرقة مسرحية وجدت مسرحاً" و"شمشون ودليلة" و"رحلة حرحش" و"وحدي في بيت الجنون" و"حان وقت الفنتازيا" و"دمدم تك" و"عرس الأعراس" و"ضحك ولعب ودم وحب" و"حلم اسمه حلم ليلة حب"، وغيرها الكثير مما يصعب ذكره في هذه العجالة. وحاز جوائز في مهرجانات عديدة، محلية وعربية ودولية، عن أفضل إخراج وأفضل تمثيل وأفضل سينوغرافيا، وكرّمته رابطة الكتّاب الأردنيين ونقابة الفنّانين الأردنيين.
ومثل حال فناني الأردن الذين يعانون التهميش والتجاهل من شركات الإنتاج العربية، لم يُفتح المجال الذي يستحقّه عن اقتدار وجدارة أمام خالد، رغم عبقريته مخرجاً وممثلاً، فلم يُعرف جيداً على مستوى الوطن العربي، ولا أظنّه سعى من أجل ذلك، من باب احترام الذات، ففوّت على الجمهور العربي التعرّف إلى هذه الموهبة الفذّة التي تضاهي نجوماً عالميين، لكن هذا، على ما يبدو، قدر الدراما الأردنية التي كانت يوماً في طليعة الدراما العربية، وكان الفنان الأردني مطلوباً في الأعمال التاريخية الكبرى، لبراعته والتزامه وثقافته قبل طغيان الأعمال التجارية على المشهد الدرامي العربي.
نحزن لرحيل هذه القامة المسرحية التي أثرت المسرح الأردني بأهم الأعمال، ولغياب هذه الروح العذبة السخية الطافحة بالمحبة والإنسانية والجمال. سنفتقد حضوره في المهرجانات، ونشتاق إلى صوته الجهوري يجلجل على الخشبة، محرّضاً إيانا على الحياة والأمل والحب غير المشروط. كل العزاء لعائلته وزملائه ومحبّيه الكثر، وليبقَ ذكره خالداً تماما مثل اسمه.