في قضيّة عماد العدوان
تتعجّل هذه السطور تناول قضية النائب الأردني، عماد العدوان، الذي أوقفته سلطات الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام واستنطقته في تحقيقٍ مطوّل، ثم أفرجت عنه أمس الأحد، وتسلّمته سلطاتٌ مختصّةٌ في بلده، فيما الأدْعى انتظار ما ستُدلي به المراجع الأردنية المعنيّة، وقد أصبح الرجل، بعد نزع البرلمان الحصانة عنه، في عهدة نيابة أمن الدولة في عمّان، المرتقب أن تباشِر التحقيق في قضيّته التي يلفّها غموضٌ كثيف، منذ أعلنت الدولة العبرية، قبل نحو أسبوعين، ضبطها نحو 390 قطعة سلاح في ثلاثة أكياس، ومائة كيلو ذهب، في سيارته، في أثناء تفتيشها عند عبورها جسر الملك حسين الحدودي مع الضفة الغربية. ولئن بدت الواقعة مثيرةً، سيّما وقد شوهد بعض الأسلحة في فيديو نشرَته سلطات الاحتلال (لم تعرِض شيئا من الذهب)، ظلّت الأنباء تتواتَر من الجهات الإسرائيلية، الأمنية الرسمية والإعلامية غير الرسمية، ما جعلنا أمام روايتها الوحيدة، والتي يحقّ لنا تلقّيها بأرطالٍ من الشكوك ونُقصان الثقة، فيما آثرت عمّان التكتّم الشديد، وعدم الإتيان على صحّة "المزاعم" الإسرائيلية (المفردة في بيانٍ للخارجية الأردنية) أو عدم صحّتها، ما قد يعود إلى حرصٍ بالغٍ على ألا يؤثّر أمرٌ كهذا على اتصالاتٍ عليا (ربما بمساهمةٍ أميركية)، أعطت فيها عمّان سرعة الإفراج عن النائب الأولوية على أيّ شأنٍ آخر. ومع الانعطافة التي شهدتها القضية، ذات الحساسية الخاصّة، أمس، جاء دالّا إعلان مصدرٍ أردنيٍّ مسؤولٍ إن إحالة العدوان إلى نيابة أمن الدولة هو "لاتّخاذ المقتضى القانوني بحقّه حسب الاختصاص مع باقي أطراف القضية الموقوفين". وأن قرار الإحالة يأتي "استنادا للتحقيقات التي قامت بها الجهات الرسمية الأردنية، وتوافر الأدلّة بحقّهم، ومنها اعترافاتُهم بتجارة وتهريب الأسلحة النارية ولعدة مرّات بالاشتراك مع النائب المذكور، بالإضافة إلى قيامهم بتهريب الذهب والسجائر الإلكترونية ومواد أخرى".
ولمّا جاز لنا، نحن أهل الإعلام، الامتعاض من إفراط السلطات الأردنية في تكتّمها ذاك، منذ اشتعلت القضية، ولمّا جاز، في الوقت نفسه، أن نتفهّمه بعض الشيء، فإن المأمول أن يتيسّر للجمهور العام، لاحقا، جلاءٌ لكل ملابسات هذه القضية. ولنا أن نتفاءل في هذا، وإنْ لا تشجّع وقائع سابقة على مثله، بعد الإيضاح الرسمي أمس أن ثمّة آخرين موقوفين غير النائب في الملفّ، وأن المسألة لا تتعلّق بتهريبٍ فقط، فثمّة تجارةٌ أيضا، وأن القصة تشمل إلى أسلحةٍ وذهبٍ "سجائرَ إلكترونية" وموادّ أخرى. وإذا ما أضيف هذا كلّه إلى ما أعلنه جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) أمس إن العدوان نفّذ 12 عملية تهريب منذ فبراير/ شباط 2022، باستخدام جواز سفره الدبلوماسي، فإن الشديد الإلحاح أن يتبيّن كذبُ هذا القول أو سلامته. وإذا صحّ ما "تسرّب" عن تسلّم عمّان ملف التحقيق الإسرائيلي مع النائب، فإن المنتظر أن ينتهي التحقيق الأردني، "المستقلّ والسريع"، كما وصفُه غير الرسمي، إلى إزاحة كل غموضٍ عمّا كان يقوم به النائب بالضبط، وهو الذي يحمل الماجستير في القانون الدولي، بعيدا عن أي اعتباراتٍ وحسابات إسرائيلية.
والقول هنا إن تحقيقا مهنيا، يُطلع الأردنيين، ولو أولاً بأوّل، على روايةٍ متماسكةٍ ذات مصداقيةٍ موثوقة، تبرّئ النائب أو تدينُه، شأنٌ أردنيٌّ أولا وأخيرا. وسؤال المليون الذي يتطلّع الجميع إلى جوابٍ حاسمٍ وموثوقٍ عليه يتعلق بالجهة (أو الجهات) التي كان "التهريب والتجارة" يتوجّهان إليها في الأراضي الفلسطينية. وإذا صحّ أن العدوان أبلغ زوّارا رسميين له إنه نادم، وجرى تغريرٌ به، وسيتقبل كلفة ما فعله، إذا صحّ هذا، معطوفا على ما صار يرشَح من أنباء، فإن الرجل سيتخفّف من عبءِ صورة النائب الشجاع التي خُلعت عليه، مع التسليم المؤكّد بصدق مشاعره الوطنية، وهو الذي ينتسب إلى عشيرة كريمة. وهذا شقيقُه يكتب، في رسالة شكرٍ إلى الملك عبدالله الثاني، إنهم لا يخافون من إظهار الحقّ، وإن أمر عماد يتركونه للقضاء الأردني العادل والنزيه.
أما إذا كنّا أكاديميين، فلنا أن نسأل: ما علاقة إسرائيل بهذا كله، وقد كان الرجل قادما إلى الأراضي الفلسطينية، وليس إلى الدولة العبرية، والوجود الإسرائيلي على الجسر الحدودي احتلالٌ يفرض أمرا واقعا؟ سؤالٌ نافلُ ربما. ولكن، لماذا غيّبته السلطة الفلسطينية، وكان في وسعها أن تقول شيئا، ولو للتذكير بأن ثمّة من يحتلّون الحدود مع فلسطين.