25 اغسطس 2024
في عيد المرأة 2035
حدّثني سالم، وهو شاب سوري، أعزب، من مواليد مدينة إدلب 1988، قال:
- خرجنا يوم الثامن من آذار (مارس) 2035، في مظاهرة تضامنية مع المرأة السورية. كنا قد تخلصنا من النظام الاستبدادي الذي أسّسه حافظ الأسد، وصار عندنا في دمشق نظام انتقالي، هو مجلس عسكري ذو مهمة أمنية بحتة، يعمل تحت حمايته مجلسٌ مدني انتقالي يتمتع بصلاحيات استثنائية، أمامه أعباء وطنية عظيمة كإعادة الإعمار، وتوطين اللاجئين العائدين إلى البلاد، ووضع دستور دائم للبلاد تستأنس به الهيئةُ البرلمانية العليا في أثناء سعيها إلى وضع قوانين عادلة، تكفل للمواطنين السوريين العيش بكرامة، وتمنع عنهم الاستغلال والتعدّي على الحريات والملكيات.
كانت البلاد قد بدأت بترميم جروحها. الكهرباء تأتي أربع ساعات كل يوم، عدا المناطق التي دمرها الطيرانان، الروسي والسوري، وقد قرّر المجلس المدني الانتقالي تأجيل المباشرة بإعمارها إلى حين الانتهاء من عمليات إزالة الأنقاض وترحيلها، وأنشأنا بعض الأفران، ومستشفياتٍ صغيرةً مكانَ المستشفيات التي كان الروس مولعين بتدميرها. وصار بإمكان المواطن أن يعبّر عن أفكاره بشيء من الحرية، على الرغم من وجود بعض الفلول من مليشيات النظام البائد والتنظيمات المتطرّفة التي أعلن المجلس العسكري عن حلها فور التوقيع على وثيقة المصالحة الوطنية، ولكنها ما زالت تحتفظ بأسلحة فردية، وتشكل خطراً على المدنيين.
لدى اقتراب الموعد السنوي لعيد المرأة، شرعت سيّدات يتحرّكن في سبيل تنظيم مظاهرة كبيرة للتضامن مع المرأة، واعتبار هذا اليومَ بدايةً لتاريخ جديد، يتم فيه إلغاء الأحكام الفوضوية التي صدرت إبّان الحرب، وفيها عدوان على كرامتها وحريتها الشخصية، ومنعتها من المساهمة في قضايا وطنها خلال ربع قرن.. وطالبت الناشطاتُ رجالا كثيرين متنورين أن يشاركوا في المظاهرة، وهذا ما كان، إذ خرج في المظاهرة عدد كبير من الرجال، وكنتُ بينهم، إضافة إلى عدد لا بأس به من النساء اللواتي يرتدين ثياباً ليست متزمتة ولا منفلتة.
المهم، أنا كنت في المظاهرة.. وكدت أطير فرحاً بهذه الجرعة الكبيرة من التحرّر التي توّجها نجاحُ نسائنا بتنظيم مظاهرة كبيرة إلى هذا الحد.. صرتُ أهتف، في أثناء انخراطي بين الجموع، وأسمع صوتي وهو يتحد مع أصوات النساء الرائعات اللواتي بذلن جهوداً استثنائية، حتى وصلن إلى هذا اليوم التاريخي. فجأة، وقع بصري على امرأة تنظر إلي. كانت لحظة شبيهة باتحاد الغيوم في السماء، وإصدارها وميضاً يليه رعد، ثم تنزل الصواعق. غامت في عينيَّ الرؤى، وخفتت الأصوات، وبدأ كياني يتّجه نحوها، أنجذب، فأمشي، ثم أتوقف، وأتساءل: هل هذا وقت الحب؟ فتشدني جاذبيتُها إليها وهي تتوقف، وأوشك أن أسمعها تقول: نعم. هذا أفضل وقت للحب.
رجال ونساء كثيرون يأتون من كل مكان، وينزلون بيننا، وتزداد الأمواج البشرية التحاماً، ارتفاعاً وهبوطاً، وأنا أحاول التجديف إليها، وهي تعمل ما في وسعها للاقتراب مني، نظراتنا تلتقي، ويبدأ كل منا الغوص في أعماق الآخر، ولكن موجة عاليةً من الناس تدخل بيننا، فنغيب، ونشرع بالتقاط الإشارة مجدّداً..
وفي لحظةٍ شبيهة بلحظة وقوع الصاعقة، حصل شيءٌ ليس بالحسبان. بدأ الرصاص ينهمر علينا، من الأرض، من السماء، من أسطحة المنازل، من ظهور السيارات التي أخذت تلتف حول الحشود؟ أين امرأتي؟ لا أراها، الاتصال بيني وبينها انقطع.. ركبتاي تقصفتا من شدّة الخوف، واندفعت هارباً، محتمياً بموجات المتظاهرين الهاربين غريزياً من طريق الرصاص..
المسلحون، على ما يبدو، غادروا المكان، وأنا تمكّنت من الابتعاد، حتى أصبحت في مكانٍ آمن سمح لي بإلقاء نظرة على ساحة المعمعة. كانت الساحة خاليةً إلا من كتلة غبار هائلة، أخذت تتكشف، تدريجياً، عن أجسام متكومة على الأرض، جثث بضعة رجال، وبضع صبايا لا ريب في أن المرأة التي أحببتها وأحبتني واحدة منهن.
كانت البلاد قد بدأت بترميم جروحها. الكهرباء تأتي أربع ساعات كل يوم، عدا المناطق التي دمرها الطيرانان، الروسي والسوري، وقد قرّر المجلس المدني الانتقالي تأجيل المباشرة بإعمارها إلى حين الانتهاء من عمليات إزالة الأنقاض وترحيلها، وأنشأنا بعض الأفران، ومستشفياتٍ صغيرةً مكانَ المستشفيات التي كان الروس مولعين بتدميرها. وصار بإمكان المواطن أن يعبّر عن أفكاره بشيء من الحرية، على الرغم من وجود بعض الفلول من مليشيات النظام البائد والتنظيمات المتطرّفة التي أعلن المجلس العسكري عن حلها فور التوقيع على وثيقة المصالحة الوطنية، ولكنها ما زالت تحتفظ بأسلحة فردية، وتشكل خطراً على المدنيين.
لدى اقتراب الموعد السنوي لعيد المرأة، شرعت سيّدات يتحرّكن في سبيل تنظيم مظاهرة كبيرة للتضامن مع المرأة، واعتبار هذا اليومَ بدايةً لتاريخ جديد، يتم فيه إلغاء الأحكام الفوضوية التي صدرت إبّان الحرب، وفيها عدوان على كرامتها وحريتها الشخصية، ومنعتها من المساهمة في قضايا وطنها خلال ربع قرن.. وطالبت الناشطاتُ رجالا كثيرين متنورين أن يشاركوا في المظاهرة، وهذا ما كان، إذ خرج في المظاهرة عدد كبير من الرجال، وكنتُ بينهم، إضافة إلى عدد لا بأس به من النساء اللواتي يرتدين ثياباً ليست متزمتة ولا منفلتة.
المهم، أنا كنت في المظاهرة.. وكدت أطير فرحاً بهذه الجرعة الكبيرة من التحرّر التي توّجها نجاحُ نسائنا بتنظيم مظاهرة كبيرة إلى هذا الحد.. صرتُ أهتف، في أثناء انخراطي بين الجموع، وأسمع صوتي وهو يتحد مع أصوات النساء الرائعات اللواتي بذلن جهوداً استثنائية، حتى وصلن إلى هذا اليوم التاريخي. فجأة، وقع بصري على امرأة تنظر إلي. كانت لحظة شبيهة باتحاد الغيوم في السماء، وإصدارها وميضاً يليه رعد، ثم تنزل الصواعق. غامت في عينيَّ الرؤى، وخفتت الأصوات، وبدأ كياني يتّجه نحوها، أنجذب، فأمشي، ثم أتوقف، وأتساءل: هل هذا وقت الحب؟ فتشدني جاذبيتُها إليها وهي تتوقف، وأوشك أن أسمعها تقول: نعم. هذا أفضل وقت للحب.
رجال ونساء كثيرون يأتون من كل مكان، وينزلون بيننا، وتزداد الأمواج البشرية التحاماً، ارتفاعاً وهبوطاً، وأنا أحاول التجديف إليها، وهي تعمل ما في وسعها للاقتراب مني، نظراتنا تلتقي، ويبدأ كل منا الغوص في أعماق الآخر، ولكن موجة عاليةً من الناس تدخل بيننا، فنغيب، ونشرع بالتقاط الإشارة مجدّداً..
وفي لحظةٍ شبيهة بلحظة وقوع الصاعقة، حصل شيءٌ ليس بالحسبان. بدأ الرصاص ينهمر علينا، من الأرض، من السماء، من أسطحة المنازل، من ظهور السيارات التي أخذت تلتف حول الحشود؟ أين امرأتي؟ لا أراها، الاتصال بيني وبينها انقطع.. ركبتاي تقصفتا من شدّة الخوف، واندفعت هارباً، محتمياً بموجات المتظاهرين الهاربين غريزياً من طريق الرصاص..
المسلحون، على ما يبدو، غادروا المكان، وأنا تمكّنت من الابتعاد، حتى أصبحت في مكانٍ آمن سمح لي بإلقاء نظرة على ساحة المعمعة. كانت الساحة خاليةً إلا من كتلة غبار هائلة، أخذت تتكشف، تدريجياً، عن أجسام متكومة على الأرض، جثث بضعة رجال، وبضع صبايا لا ريب في أن المرأة التي أحببتها وأحبتني واحدة منهن.