في ضرورة تقديم رواية فلسطينية لـ7 أكتوبر

22 نوفمبر 2023
+ الخط -

مع تخفيض إسرائيل عدد قتلاها في هجوم 7 أكتوبر من 1400 إلى 1200 (قد تخفّضها لاحقا أكثر) بذريعة أنها اكتشفت بعد أكثر من خمسة أسابيع على عملية طوفان الأقصى أنه من بين القتلى تم إحصاء مائتي شخص من المهاجمين لم يمكن التعرّف إليهم حينها بسبب تفحّم الجثث، أخذت تتكشّف تفاصيل أكثر عن أحداث 7 أكتوبر، والتي استخدمتها إسرائيل لشنّ حملة دعائية عالمية كبرى، لتحقيق أهداف استراتيجية عجزت عن تحقيقها على مدى عقود، أهمها إطلاق عملية إبادة ممنهجة بحقّ الشعب الفلسطيني، تمهيدا لتنفيذ مخطّط تهجير (ترانسفير) عمره عقود، يتم فيه إنهاء "وضعية النزاع" على الأرض، وطي صفحة الصراع على فلسطين مرّة واحدة وإلى الأبد. والواقع أن كثيرا من تفاصيل ما جرى يوم 7 أكتوبر كانت متوفرة منذ الأيام الأولى للعملية، لكن الجميع، بمن فيهم حركة حماس، كانوا مأخوذين بالنجاح الذي حقّقه المقاتل الفلسطيني في إسقاط الأسطورة التي نسجتها إسرائيل عن قدراتها الأمنية والعسكرية، ومفاجئين بالانهيار السريع للجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، في أول حرب فلسطينية خالصة ضد إسرائيل، تخطيطا وتنفيذا.

كنّا نعرف مثلا أن عددا كبيرا من المدنيين الـ364 الذين سقطوا ذلك اليوم، في حفل نوفا، الذي كان يقام بالقرب من مستوطنة رعيم، قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي، وأن جزءا آخر سقط أيضا بنيران القوات الخاصّة الإسرائيلية في أثناء قتالٍ دار داخل مستوطنات محيط غزّة، وأن حالة فوضى سادت في الأثناء، حين فقدت "حماس" قدرتها على السيطرة على تدفّق الناس العاديين من غزّة عبر الفتحات التي أحدثها الهجوم في الجدار العازل، فقرروا اجتيازه إلى الجانب الآخر لاغتنام فرصة التعرّف إلى ما ظلوا يرونها أرض أجدادهم، وهؤلاء هم من أخذوا أكثر المدنيين أسرى، بمن فيهم بعض كبار السن والأطفال، من دون أدنى وعي بخطورة ما يفعلونه على قضيتهم.

أعادت صحيفة هآرتس، السبت الماضي، نشر تفاصيل ما جرى يوم 7 أكتوبر، وكانت وسائل إعلام أميركية قد نشرت شيئا منها أيضا، وفيها أنه مع بلوغ أنباء الهجوم الذي بدأته "حماس" في السادسة من صباح 7 أكتوبر، سادت حالة من الذهول بين قادة المؤسّستين العسكرية والأمنية الإسرائيليتين. ولم يتم، نتيجة ذلك، اتخاذ أي إجراء حتى العاشرة والنصف صباحا، حين بدأت طائرات الأباتشي بالتجهّز للتدخّل، ووصلت المجموعة الأولى منها إلى موقع الحدث في الثانية عشرة ظهرا، وبدأت إطلاق صواريخ "هيل فاير" على المهاجمين المتحصّنين داخل المستوطنات، ما أدّى إلى دمار كبير وسقوط عدد من القتلى الإسرائيليين إلى جانب مقاتلين فلسطينيين، لأن الأوامر كانت تقتضي بمنع وقوع أسرى في يد فصائل المقاومة الفلسطينية، وهو ما يفسّر صور الدمار الذي لحق بالمستوطنات، وكذلك احتراق جثت أعداد كبيرة من المدنيين المشاركين في حفل نوفا، بحيث تعسّر التعرّف إليهم.

استغلت إسرائيل الحدث "الكارثة" لبناء سردية مفادها أنها وقعت ضحية هجمة بربرية تشبه تلك التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وأن حماس ليست سوى النسخة الفلسطينية لتنظيم داعش، ويجب، من ثم، استئصالها. وتمثل الجانب الآخر للرواية الإسرائيلية في محاولة وضع ما جرى يوم 7 أكتوبر في سياق المحرقة (الهولوكوست)، عبر نشر صور بشعة للقتلى من المدنيين، الذين قتلت إسرائيل في الواقع عددا كبيرا منهم، منعا، كما ذكرنا، لوقوعهم في الأسر. وفي غياب سردية فلسطينية لما جرى، حصلت إسرائيل على كم هائل من التعاطف والتبريرات للجرائم التي كانت على وشك أن ترتكبها في قطاع غزّة. فقط في الأيام الأخيرة، بدأ الجانب الفلسطيني (حماس والسلطة على السواء) بتقديم رواية غير مكتملة لما جرى يوم 7 أكتوبر، لكن هذا حدث بعدما بدأت الصحافة الإسرائيلية تتناول الموضوع بطريقةٍ نقدية.

كان مهمّا، منذ البداية، تقديم سردية فلسطينية لما جرى في ذلك اليوم، بدلا من ترك إسرائيل تستفرد بصياغة الرأي العام العالمي عبر السردية الكاذبة التي قدّمتها عن ذبح أطفال واغتصاب نساء، دفع الشعب الفلسطيني ثمنها غاليا، فالرأي العام العالمي، الأميركي خصوصا، يبدو الوحيد القادر اليوم على وقف المذبحة التي ترتكبها إسرائيل في غزّة.