في ركب "الفيلة"

08 مايو 2022
+ الخط -

"عندما تتصارع الفيلة يفوز الفئران". ربما كانت أمثولة صائبة، غير أننا لن نقول إن التاريخ يكرّرها اليوم، على نحو آخر، في الحرب الدائرة حاليًّا بين الفيلة الكبار على قطعة الجبن الأوكرانية الصغيرة، بل سنتفاءل قليلًا، لنقول إن ثمّة "فيلة" أخرى ظلمها التاريخ، فراحت تترصّد المعركة الدائرة، لا بهدف الإجهاز على قطعة "الجبن"، بل للظّفر بذاتها التي تخطّفتها الفيلة الكبار عقودا طويلة.

ولربما نظلم بعض تلك الدول إن قارنّاها بالفئران، إذ الأحرى أن نمثّلها ببيضة القبّان، التي في وسعها، على ضآلتها، أن تحسم أمر المعركة، لو انحازت لطرف على حساب آخر. ومن هنا في وسعنا أن نتفهم مبلغ "الاندلاق" الغربي على هذه الدول التي لم تكن تشكّل أي ثقل في حسابات الغرب قبل هذه الحرب.

ولن نستثني الصين والهند وباكستان من حسابات القبّان، على اعتبار أنها دول، وإنْ كانت على مشارف العظمة الاقتصادية والعسكرية، لكنها لم تحصل على فرصة الاصطفاف إلى جانب الفيلة العظام؛ لأسبابٍ شتّى تتعلّق بالإقصاء المتعمّد أحيانًا من الغرب، الذي لا يسمح بالسيادة لكلّ ما هو خارج دمه الأزرق أولًا، وخارج فلكه السياسي ومبادئه التي يؤمن بها. والأهمّ إقصاء كل من هو خارج "طريقة حياته" كما عبّر عنها الرئيس الأميركي جورج بوش الابن ذات مرّة في أعقاب أحداث "11 سبتمبر" (2011) عندما وصف هجوم "القاعدة" بأنه يستهدف "طريقة الحياة الغربية" برمّتها. والمعروف أن ثمّة اختلافات ثقافية عميقة بين شعوب الصين والهند وباكستان والشعوب الأوروبية والأميركية. غير أن لا أحد، اليوم، من الساسة الغربيين والأميركيين يعير التفاتًا إلى طريقة الحياة، أو لنقاء العرق، فقد باتوا على استعدادٍ لتقديم تنازلات جوهرية لأي دولة "قبّان" تصطفّ معها في مواجهة الدبّ الروسي؛ لأنهم يدركون ما سيترتّب على هذه الحرب من معادلاتٍ عالميةٍ جديدة، ومن استحقاقات لن يدفع ثمنها غير المهزوم.

عربيًّا، كان لنا نصيب أيضًا من الهجمات الدبلوماسية الغربية المتتابعة، مع اختلاف أحجامنا بالطبع، لكن ثمّة دول تمثّل "بيضة قبّان" فعلًا، على غرار السعودية بمخزونها النفطيّ الهائل، التي ربما كانت الأكثر تعرّضًا للضغوط الأميركية والغربية؛ لإغراق الأسواق بالنفط، وتعويض صادرات النفط والغاز الروسية، وبلغ الأمر حدّ الاستجداء أحيانًا، لكن بلا جدوى؛ لأن السعودية رفضت الانصياع للرغبة الغربية. وليس بعيدًا عنها، تقود مصر هي الأخرى حراكًا دبلوماسيًا، لاستغلال هذه الحرب، في محاولة لاستعادة الذات، ومناددة الولايات المتحدة والغرب، وفرض شروط جديدة في العلاقة التي كانت تقوم على التبعية وتلقي الأوامر فقط.

غير أن هذا الحراك العربي يرتطم، من أسف، بمحاولات لإدماج إسرائيل في هذا التكتل، وجعلها طرفًا أساسيًّا فيه، من جهة، وباستعداء إيران من جهة أخرى، على الرغم من أن الساسة العرب أمام فرصة تاريخية ربما لا تتكرّر أبدًا؛ لتقزيم إسرائيل وتحجيمها، في ظل الأجواء الدولية المواتية لهذا التحجيم، سيّما في تصاعد نبرة العداء العالمية لـ"الاحتلال" الذي تمثله روسيا في حربها مع أوكرانيا، وكان يمكن للمقاربة أن تلعب دورها للمقارنة بين احتلالين، وهو الأمر الذي يحسم من رصيد تفاؤلنا بهذه التحرّكات العربية التي تجيء خدمة لإسرائيل التي أخفقت، طوال العقود الماضية، في أن تكون جزءًا عضويًّا من المنطقة، فلماذا يحاول بعض الساسة العرب حشرها في تحالفٍ لن تكون يومًا جزءًا منه، شعبيًّا على الأقل؟

يا للخيبة؛ كم كانت فرصة ثمينة بالنسبة لنا، نحن العرب، أن ننخرط في ركب "الفيلة".

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.