في ذكرى غزو الكويت
كان الرئيس العراقي السابق، صدّام حسين، يتخذ من مصطلح "العبور" شعاراً استراتيجياً، يقصد التوسّع المستمر لأجل بناء دولة العرب، أو إمبراطوريتهم، ويكون ذلك بأن يعبُر بجيشه حدودَ الدول المجاورة، ويحتلّها، أو بالأحرى "يفتحها" واحدة تلو أخرى. بتلك العقلية الدونكيشوتية البائسة، كان صدّام يُكثِر من الظهور على صهوة حصانه، بالثياب العسكرية الكاملة، ما يوحي أنه لا يعدّ نفسه مجرّد رئيس لدولة مدنيّة، بل قائداً تاريخياً، يرى أن حدود دولته الحالية مؤقتة، وأنه لا بد من الـ "فتوحات" لاستكمالها ... ولهذا، ربما، اختار له أتباعه لقب سيف العرب، مع ألقاب أخرى، مثل صدّام العرب، وقائد الأمة العربية، بالإضافة إلى الاسم الذي أطلقه عليه الثوار السوريون، بعد بضع سنوات من موته: أسد السنّة.
المنطق السليم والمصداقية يقتضيان عبور صدّام حسين الحدودَ إلى الكويت، في الثاني من أغسطس/ آب 1990، بمقاتلين يمتطون الخيول الأصيلة، ويتمنطقون بالسيوف القواطع، ويتجنّدون بالرماح، والسهام، بدلاً من الدبابات، وراجمات الصواريخ، والمدافع الثقيلة ... وهذا لم يكن التناقضَ الوحيد الذي يظهر في المسألة، بل إن توقيت "غزوة" الكويت جاء بعد سنتين، فقط، من الخيبة التاريخية الكبرى التي أطلق عليها اسم "قادسيّة صدّام"، أي الحرب مع إيران التي استمرّت سجالاً ثماني سنوات، 1980- 1988، خسر العراق خلالها نحو 500 ألف شاب، ومائتي مليار دولار، وخسر مثلها الشعب الإيراني، نتيجة الطموحات التوسّعية التي أتى بها نظام الولي الفقيه، الخميني، الذي أطلق على الحرب نفسها اسم "الدفاع المقدّس".
للأمانة؛ هذه الأمة الغلبانة، الأمة العربية، لم تُمْنَ بهذا القائد المغامر الفاشل، صدّام حسين، الذي يبدّد ثروات بلاده الاقتصادية والبشرية في حروبٍ عبثيةٍ متتالية، وحده .. فالإعلام السوري لم يكن ليكفّ عن تسمية حافظ الأسد أسدَ العرب، وقائد الأمة العربية. وقد زاد الشاعرُ العراقي محمد مهدي الجواهري في طيننا بلّة حينما وصفه بأنه "طلاعُ ألويةٍ تناهبتْ حَلَبَاتِ العزّ مستبقا"، ومن حلبات العزّ الأسدية كانت الأرض اللبنانية التي كان دخول الجيش السوري إليها وبالاً على الشعبين السوري واللبناني اللذين لم يتخلّصا من عقابيله.. ومثلهما معمّر القذافي الذي جلس 40 عاماً على فوّهات آبار الذهب الأسود، يغرف من أموال الشعب الليبي، وينفق على الذي يسوى والذي لا يسواش، وعلى مشاريعه الخنفشارية، دواليك حتى وصلت بلاده إلى كل هذا البؤس، والدمار، والغوص في وحلةٍ لا يعرف أحد متى سيخرج منها.
لو أن غزو الكويت انتهى بعبور سيف العرب، صدّام حسين، إلى أراضيها، بذريعة الدفاع عن "البوّابة الشرقية"، لشربت كل أرضٍ ماءها، ووضع المقاتلون رؤوسهم على المخدّات، وغطّوا في نوم عميق، ولكن الجيوش التي حشدتها الولايات المتحدة لخوض حرب تحرير الكويت، أو حرب الخليج الثانية، لم تكتف بمهمّتها الأساسية، بل ساهمت في تدمير قسم كبير من الجيش العراقي، ودفعت البلاد العربية ما لا يحسب الحاسب من مليارات الدولارات، لتمويل الحرب، وكشفت، أعني الحرب، زيف الصّراخ الذي كان يطلقه إعلاما حافظٍ وصدّام عن الوحدة العربية، إذ لم يكن صعباً على أميركا التي أطلقت يد حافظ الأسد في لبنان 1976 أن تجنده في التحالف الدولي (الإمبريالي) ضد العراق (الشقيق). لم يكن نظاما صدّام وحافظ يهتمّان بالرأي العام في مزرعتيهما. ومع ذلك، قام حافظ بواجبه القومي، فوجّه رسالة إلى صدّام يطلب منه فيها الخروج من الكويت، ولم تكن غطرسة صاحب القادسية تسمح له حتى بالردّ على الأسد الذي علم، في تلك الأثناء، أن بعض السوريين يتململون من موقفه المناقض لادّعاءاته، فأوعز لمخابراته أن يَلُمُّوهم في ليلةٍ ما فيها ضوء قمر، ولا يودعونهم في مهاجع كبيرة، وإنما في المنفردات.