في خطأ الأنظمة وخطيئة المعارضة

06 فبراير 2022

(ضياء العزاوي)

+ الخط -

لا خلاف على أنّ حرب اليمن غدت كرة نار تهدّد بمزيد من الدحرجة لتشمل بلداناً أخرى غير الإمارات. ولسنا بصدد اتخاذ أيّ موقف مائع حيال وقوفنا ضد هذه الحرب، جملة وتفصيلاً، لأنّها تقضم من اللحم العربي، وموارده، ولا انحياز لطرف واحد على حساب الآخر، غير أنّ ثمّة درساً ينبغي استخلاصه من هذه "المطحنة" التي تدور، حاليّاً، في غير بلد عربي، جرّاء تهميش أنظمتها السياسية مكوّناً من مكوناتها الاجتماعية، وهضم جزء من حقوقه ومواطنته، والتعالي عليه وإقصائه، وربما نبذه أيضاً.

ما يدور في اليمن وجواره نتيجة حتمية لهذا الإقصاء، فبعدما سنحت للحوثيين فرصة القفز إلى صدارة المشهد السياسي، عقب عقود من التهميش، سيما في زمن علي عبد الله صالح، الذي كان يقصف تجمعاتهم، بلا هوادة، تحت ستار ديني، ليؤلّب المحيط العربي ضدهم، ويضفي شرعية على تنكيله بهم... عقب هذا كله، وجد الحوثيون فرصتهم على يد خصمهم القديم نفسه علي عبد الله صالح، الذي تحالف معهم نكاية بمن جرّدوه من السلطة، فراحوا يتشبّثون بحكم صنعاء، خشية عودتهم إلى دائرة التهميش إن هم تنازلوا ولو عن جزء يسير من السلطة، وبدعم إيراني بالطبع، على الرغم من كلّ المبادرات السياسية التي كان واضحاً أنّ الحوثيين لم يتعاملوا معها بجدّية، أي أنّهم عالجوا الخطأ بخطيئة.

والأمر ذاته حدث لأكراد العراق وشيعته عقب الاحتلال الأميركي، وهما مكوّنان اجتماعيان كبيران، عاشا الإقصاء السياسي، طوال عهود الحكم التي مرّت على هذه الدولة. وعندما جاء الاحتلال الذي لعب على وتر المذاهب والطوائف لإضعاف الدولة، مستغلًّا مظلومية هذين المكوّنين اللذين أسهم رموز منهما في تسهيل الاحتلال عبر مليشيات مسلحة، وجدا فيه فرصة للخلاص من التهميش، فاستولت مليشيات شيعية على مفاصل الحكم في كلّ المناطق، باستثناء الشمال الذي منح لمليشيات كردية. وكانت إيران حاضرة أيضاً في المشهد، بدعمها غير المحدود للمكون الشيعي، بينما دعمت الولايات المتحدة المكوّن الكردي. وجاء ذلك كله على حساب المكوّن السنّي، الذي وجد نفسه مطروداً إلى دائرة الإقصاء، بعدما كان هو المسيطر السياسي على حكم العراق، وتمخض ذلك عن ظهور قوى متطرّفة مثل تنظيم "داعش" الذي وجد في هذه البلبلة ملعباً لوحشيته وعدميته. وفي هذا يمكن القول، أيضاً، إنّ المكونين، الشيعي والكردي، في العراق عالجا الخطأ بخطيئة، لأنّ إقصاء مكوّن كبير بحجم السنّة، مدعوم من محيط عربي شاسع، لن يُرسي أيّ نوع من استتباب الاستقرار السياسي لهذا البلد القابع أصلاً على فوهة بركان، بسبب تعدّد طوائفه ومذاهبه.

ولو اتجهنا غرباً، لارتطمنا بمعضلة مثيلة، في بلدان المغرب العربي، ممثلة بالطوارق والأمازيغ، وهما من مكونات ضخمة في تلك المجتمعات، ويتوزعون على جغرافياتٍ شاسعة تشمل الجزائر وليبيا والمغرب والنيجر ومالي، ويستوطنون الصحراء الكبرى، غير أنّهم يعانون من النبذ والتهميشين، الاجتماعي والسياسي، وهو ما يفضي إلى اضطراباتٍ مدنية وعسكرية لا تهدأ في تلك المنطقة.

وثمّة دول عربية أخرى تستبطن المعضلة ذاتها أو ما يشبهها، حتى وإن لم يكن المكون طائفيّاً أو عرقيّاً، على غرار اللاجئين، مثلًا، الذين طال بهم أمد اللجوء، فاضطرّوا إلى محاولة الانخراط في المجتمعات المستضيفة، لكنّهم يعاملون، دوماً، مواطنين من الدرجة الثانية، إذ يُحرمون من امتيازاتٍ يتمتع بها المواطنون الآخرون، على خلاف المهاجرين العرب إلى دول الغرب وأميركا، التي تعمل حكوماتها على دمجهم في مجتمعاتها، حال قبول هجرتهم، وجعلهم مكوناً جديداً كامل الحقوق المدنية والسياسية؛ وتنظر إليهم بوصفهم ثروة بشرية جديدة تنضاف إلى المكوّن الأصلي فتغنيه وترفع من شأنه.

على هذا النحو، تصعد مجتمعات وتنهار أخرى. وعلى هذا أيضاً، لن يستتبّ أي استقرار في المنطقة العربية ما لم تعالج مسألة الأقليات والمكونات علاجاً جذريّاً، وأول العلاج يبدأ بكيّ الأنظمة الحاكمة التي كانت سبباً مباشراً بإشعال هذه المعضلات العرقية والطائفية لتأبيد سلطتها. ولا حلّ بغير التعدّدية السياسية، وقبول الآخر واحترام حقوقه، على قاعدة "خيرُكم للناس أنفعكم للناس".

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.