في إعادة الاعتبار لبرلمانيٍّ مغربيٍّ

04 اغسطس 2022

قضت محكمة مغربية بأحقية انتخاب عبد الرحيم بوعيدة عضوا في مجلس النواب

+ الخط -

أصدرت المحكمة الدستورية في المغرب، يوم الجمعة الماضي، قرارا بإلغاء انتخاب محمد الرجدال عن التجمع الوطني للأحرار، في الانتخابات التشريعية التي جرت في 8 سبتمبر/ أيلول 2021 في الدائرة الانتخابية ''كُلميم''، وفوزِ عبد الرحيم بوعيدة وانتخابه عضوا في مجلس النواب، في ما يبدو إعادة اعتبارٍ للأخير لا تخلو من دلالة. ويُعدّ هذا القرار خطوة مهمة على درب بناء قضاء دستوري مغربي أكثر تطوّرا واستيعابا لمقومات دولة الحق والقانون. ولا حاجة للتذكير بالدور الذي لعبه القضاء الدستوري في بناء الديمقراطيات وإصلاح أعطابها، سيما في ما يتعلق بإقرار سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء وتعزيز دولة المؤسسات والحكم الرشيد.

وعلى الرغم من أهمية قرار المحكمة، إلا أنه يصعب القفز على السياق السياسي والاجتماعي الذي يندرج فيه. فمن ناحية، تواجه حكومة عزيز أخنوش مأزقا حقيقيا بسبب ضعفها وعجزها عن اجتراح حلول ناجعة وسريعة للاحتقان الاجتماعي الناجم عن تداعيات الجائحة، وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية، والجفاف، والتضخم، وارتفاع نسبة البطالة، وتدهور الوضعين، المعيشي والاجتماعي، للفئات الوسطى والفقيرة. وهو ما يعني أن قرارها يمكن اعتباره تنفيسا، في توقيت دالٍّ جدا، عن هذا الاحتقان، وأيضا ''تذكيرا'' بالخيار الديمقراطي الذي عدّه دستور الربيع العربي (2011) أحدَ ثوابت النظام السياسي المغربي، بما يمكن أن يدُلَّ عليه ذلك أن البلاد لا تزال منخرطة في هذا الخيار، على الرغم من صعوباتٍ تواجهها على أكثر من صعيد. كما أن إلغاء المحكمة انتخاب عضو عن الحزب، الذي يقود الحكومة، يوحي بالكثير، في أفق البحث عن كيفياتٍ لتصريف الغضب الشعبي الناجم عن إخفاق هذه الحكومة في الاستجابة لتطلعات المغاربة، وإعطاءِ الانطباع بأن الدولة، خلافا لما يعتقده كثيرون، معنية بتطوير مؤسساتها ودمقرطتها.

من ناحية أخرى، يحظى عبد الرحيم بوعيدة بتقدير الرأي العام المحلي والجهوي والوطني. وفضلا عن أنه أستاذ جامعي وأكاديمي معروف، فقد سبق أن كان رئيسا لجهة ''كُلميم واد نون''، قبل أن يستقيل ويغادر التجمعَ الوطني للأحرار نحو حزب الاستقلال الذي ترشّح باسمه في اقتراع 8 سبتمبر/ أيلول الفائت. وقد شهدت مدينة كُلميم، عقب إعلان نتائج هذا الاقتراع، مظاهرات تضامنا معه وتنديدا بتزوير محاضر التصويت لفائدة منافسه محمد الرجدال. كما عُرفت عنه، أيضا، معارضته سياسة الرّيع التي تنتهجها السلطة مع النخب الصحراوية في الجنوب. وهو ما يعني، في المحصلة، أن الرجل نجح في بناء رصيد سياسي ورمزي، في جهةٍ حساسةٍ، بدا من الصعب تجاهله والقفز عليه، خصوصا أن العامل الداخلي، المرتبط بالتوازنات القبلية والجهوية في الأقاليم الجنوبية، ما فتئ يشكل رهانا رئيسا لا يقل أهمية عن العوامل الإقليمية والدولية في تدبير منعرجات قضية الصحراء.

في السياق ذاته، يبدو قرار المحكمة الدستورية بمثابة إعادة التوازن للبرلمان المغربي، الذي يكاد يصبح مؤسسة شكلية، تنحصر مهمتها في المصادقة على مشاريع القوانين التي تُعدّها الحكومة، من دون الانخراط الجاد في ما يشغل المغاربة من قضايا اجتماعية ومعيشية في معظمها، سواء بتفعيل وظيفته الرقابية التي يُفترض، دستوريا، أنه مخوّل بالقيام بها، أو تجاوز حالة البؤس التي يقيم فيها بسبب تركيبته السوسيولوجية والسياسية وغيابِ معارضة حقيقية داخله. ومن هنا، من شأن وجود برلماني، بحجم بوعيدة، أن يعيد بعض الحيوية إلى هذه المؤسسة، خصوصا أنه سبق وأن قاد حركة تصحيحية داخل التجمع الوطني للأحرار الذي يقوده رئيس الحكومة عزيز أخنوش، قبل أن يستقيل منه ويحط الرحال في حزب الاستقلال، وهو ما قد يشكّل تحدّيا سياسيا بالنسبة للأخير، من خلال تحول بوعيدة إلى ''عبء سياسي'' داخل الحزب الذي يشكل أحد الأضلاع الثلاثة للتحالف الحكومي إلى جانب حزبَي التجمع الوطني للأحرار و"الأصالة والمعاصرة".